هناك في جرود عكار اللبنانية، في منطقة إسمها "شمبوق"، يعيش رجل هو "هيكل"، ينشغل دائماً في العمل، فيزرع أرضه ويبني منزله ويدير مطعمه.

هيكل نراه دائماً يدخن الغليون، ووراء دخانه الكثير الذي تجسد في فيلم وثائقي طويل بتوقيع المخرجة اليان الراهب ويحمل عنوان "ميّل يا غزيّل".

تمكنت اليان في الفيلم من ايصال صورة الصراع الطائفي على الأراضي فشمبوق القريبة من الحدود السورية وتحيطها القبيات وعكار العتيقة وحلبا، نرى فيها الغضب جلياً بسبب بيع الأراضي لأشخاص من أديان أخرى، وذلك لأن ابناء البلدة يعتبرون أن الأرض هي ضمان الوجود والبقاء.

وحاولت إليان من خلال هيكل المسيحي أن توصل معنى التمسك بالوجود وعدم تمكن أي طائفة من الحلول مكان الأخرى.

لا يتمنى هيكل سوى أن تتغير صورة الأحداث الأمينة وصورة الفقر والإهمال عن المنطقة وتزدهر بكل جوانبها، ويؤمن هيكل بأن الوجود المسيحي أساسي فهو "العتبة" كما الوجود الإسلامي بالضبط فهو أيضاً "عتبة" ولا أحد يحل مكان أحد.

وركزت اليان على جمال الطبيعة العكارية بتفاصيلها (تصوير جوسلين أبي جبرايل)، ولتظهر الإهمال بحق هذا الجمال، ففي حين يمكن لتلك المنطقة أن تكون مقصداً سياحياً تحولت لمنطقة يهجرها شبابها ويذهبون لبيروت حيث يبحثون عن مستقبل جميل لا يجدون فيه تلك الطبيعة المميزة.

ثلاثة فصول في الفيلم لكل منها عنوان اختارها هيكل هي "هيكل الشمبوق"، و"الأرض"، و"العتبة"، يروي فيها الكثير عن حياته الماضية والحاضرة، من طلاق وتوجه الكثير من أهالي المنطقة إلى بيروت والخلافات على الأرض وهدم المزرعة.

المال السياسي لم يغب عن الفيلم حيث تضمن فكرة قيام السياسيين في عكار بدفع ملايين الدولارات لشق طرقات نحو منازلهم، بينما تبقى الكثير من الأماكن معزولة التي تعاني من غبار الكسارات ومرور الشاحنات.

وفي حديث إليان لموقعنا قالت إنها صورت شخصاً يدعى هيكل مخايل يعيش وحده في جرود القبيات في منطقة معزولة، ويتكل على نفسه في كل الأمور فيعمل في الأرض ويزرع التفاح، ويبني منزله بنفسه ويمتلك مطعماً، وتابعت: "هيكل أعطاني أملاً بالأرض ولبنان لأن له علاقة عضوية بالأرض ومن هنا ينبع سلامه الداخلي".

وعن نيل الفيلم جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دبي السينمائي إثر عرضه العالمي الأول في مسابقة "المهر الطويل"، قالت إليان: "الجائزة مهمة لأنها أطلقت الفيلم وقامت بالترويج له، ودائماً دبي تدعم مخرجي الأفلام الوثائقية وهذا أمر يفرح".

وعما إذا كانت تتمنى أن يكون التكريم من لبنان قالت: "في لبنان لا يوجد جوائز فالأمر كله يكون معنوياً ووجود الناس هنا أمر مهم جداً".

وحول صعوبة تولي إليان الإخراج والإنتاج والتوليف في الفيلم قالت إن الأمور ليست سلهة لكن لا بأس فهي تمثلت بهيكل الذي كان يعمل كل شيء بنفسه.