هو صوت الماضي الجميل بفعل الحاضر الأنيق، هو الحالة التي لا توصف إلا عبر الكلام الرحباني الصادق، موهبة يافعة تكبر بفعل التصفيق وأفعال إمتهان الفنّ وليس لهفة الشهرة والامجاد الباطلة.

من يسهر في بيروت اليوم، يدرك جيداً أن للسهر نوعين: الأول سهر النوادي، والثاني هو السهر المتصادق مع فن الماضي والمعصرن جيداً بصوت جورج نعمة. جورج متعدد المواهب، من الإخراج إلى الكتابة والتلحين والغناء، يشقّ طريقه الفنّي بمعول الموهبة المصقلة بخبرةٍ طموحة، وشغف حسّي للحن والكلمة. كان لموقع الفن لقاء خاص مع جورج نعمة، وجرى حديث عميق معهُ.

جورج في البداية، كيف تعرّف عن نفسك للجمهور؟ فنان؟ موسيقي؟ مطرب؟ فنان شامل؟

من الصعب أن أعرّف عن نفسي للناس، فكلمة مطرب هي كلمة مغرية ومرتبطة بأسلوب معيّن، أنا فنان درست مادة الإخراج في الجامعة وأمتلك "نظرة معيّنة" في الفن، لذا أعمل في المجال الموسيقي، وأعتبر نفسي موسيقياً أيضاً.

أنت تغني، تمارس مهنة الإخراج، تكتب الأغاني و تلحّنها ألا تخوّلك كل هذه المواهب أن تصنّف نفسك كفنانٍ شامل؟

أنا أمتلك حساً عالياً بكل ما هو مرتبط بالفن، أما تصنيف "فنان شامل" فهو تصنيف واسع. أنا درست الماجيستير في الإخراج و قد عملت في هذا المجال، كما أنني عملت على الكثير من الأغاني الموسيقية للأفلام، حتى أنني أرسم وأحب فن الرسم. أحب أن أصنّف نفسي على أنني فنان لبناني يمتلك نظرة مختلفة وجديدة للفن ولا أرضى أن يكون الفن "شو ما كان".

إشتهرت بأسلوب خاص ألا وهو إعادة إحياء أغاني الماضي الجميل (من فيروز- وديع الصافي- نصري شمس الدين- ملحم بركات..) بطريقة فنية جديدة وبلغة جسد مميزة. هل أتى ذلك عن قصدٍ وتصميم أو عن طريق الصدفة؟

الإثنان معاً. أولاً لقد تربيت في بيئة فنّية حفّزتني على هذه الأنواع من الأغاني، وهذا أمر مكمون في داخلي، كما أن العفويّة تدخل في أدائي الغنائي على المسرح ، وهذا ما عملنا على تطويره أنا وفرقتي الموسيقيّة خلال السنوات العشر الأخيرة. كما أن كل واحد منهم هو مرجعيّة فنّية في الآلة الموسيقيّة التي يعزف عليها. إن الإنسجام بيني وبينهم كبير جداً. أما أسلوب لغة الجسد والأداء المسرحي فهو نتيجة الخبرة الطويلة كما تفاعلي مع الناس، فأنا أستفيد من الناس وأستمّد الخبرة والمعرفة منهم.

لاحظنا أنك لا تؤدي أغاني جديدة لفنانين معروفين، هل هو نوعٌ من الغرور، تطبيقاً لمبدأ أنا فنان لماذا أغنّي إذاً لفنانٍ آخر؟

لا السبب الأساسي هو السبب الموسيقي، هناك أغانٍ جميلة تصدر حالياً لكنها ليست بثقل الأغاني التي ورثناها كفيروز وزياد، وديع الصافي، زكي نصيف، فيلمون وهبي، نصري شمس الدين، ملحم بركات.. وهذه أسماءٌ كبيرة. هناك فنانون حاليون كبار ومدارس في الفن، لكن لا يوجد ممن على الساحة اليوم من أشعرني بالثقل الموسيقي الذي أبحث عنه. أضف إلى ذلك، أن الناس أحبّونا لأنهم مشتاقون إلى هذا الريبيرتوار ونحن نقدّمه بطريقة غير تجاريّة. طبعاً من دون أن ننسى أنني أقدّم أغاني جديدة ، لا أشبهها بالقديم و لكنها تحمل روح الأغاني القديمة .

هل تنزعج في حال تمّ تصنيفك كفنان ناد ليلي؟

لا أتصوّر أنه يمكن تصنيفي في هذا الإطار، لأن ما أقدّمه مع فرقتي هي عروض متنوّعة. ونحن لا نغنّي أبداً في ناد ليلي أو ما يُعرف ب night club ، نحن وبكل تواضع قد نجحنا في كسر صورة ال one man show التي كانت رائجة في البلد. العرض الترفيهي المباشر أو live entertainment يحمل قيمة فنّية كبيرة للناس.

وقد لاحظنا أن لديك شروطاً عالية لتقديم الحفلات، مثلاً لا تقبل بأجواء النراجيل، متطلبات المسرح الإضاءة، حضور كامل أعضاء الفرقة؟ اليس كذلك؟

صحيح، فأولويتنا هي إحترام الناس لذا يجب على المسرح أن يكون محترماً والعرض الذي تقدمه كذلك. أنا لا أحمل أيّ عُقد بهذا الشأن، ما يهمني هو فرح الناس الذين يأتون ليشاهدوا عرضك و يظهروا إستمتاعها بحريّة. لذا فإن من ضمن مشاريعنا القادمة، هي مهرجانات كما عمل مسرحي مميز.

بهذا الإطار لاحظنا عدم إتباعك للمتعارف عليه في النوادي الليلية و هي التحيات للشخصيات المهمة، هل هي نوع من غرور أو إتباعاً لقواعد غربية؟

أنا أقدمّ عرضاً غنائياً أي concert بغضّ النظر عن المكان، أكان على البحر، على مسرح، في مهرجان. أسعى لأن أعطي القيمة نفسها لكل الأماكن، الشخصية المعروفة التي تأتي لمشاهدتي أنزل من على المسرح لكي أحيّيها وأسلّم عليها من كل قلبي. أما من على المسرح فأنا أعتبر أن كل الحضور متساوٍ بنظري. حتى أنني لا أفرّق بين من يجلس في المقدّمة ومن يجلس في المؤخرة. جميع الناس متساوون عندي.

أنت شقيق الفنانة عبير نعمة، لماذا لم يصدر أيّ تعاون فنّي بينكما غير التعاون في الإخراج، ألا يُعدّ ذلك غياباً لدعمها لك؟

أنا و عبير تجمعنا علاقة فنّية قويّة جداً، تجمعنا الجلسات المطوّلة، هناك ألحان عملنا عليها معاً إلى جانب "موسيقى الشعوب" المسلسل الوثائقي الذي صوّرته عبير عن الموسيقى التقليديّة في العالم، وكنت أنا مخرج البرنامج .

هذا ما قصدته في سؤالي، الدعم محدود بالأعمال الإخراجية فقط...

من الناحية الغنائية، عبير منهمكة بمهرجناتها وأغانيها، والسفر لأنها تغني بعدّة لغات. أما أنا فتوجّهي كان صوب الاغاني الشعبيّة. لكننا نلتقي في كل الأفكار، وأؤكّد لك أنه سيجمعنا عمل فنّي وهذا أمرٌ محتّم. بعد أن تنتهي من ألبومها التي تتعاون فيه مع مارسيل خليفة، من بعدها سوف نعمل على إطلاق "ديو" يجمعنا.

لنتحدث عن أغنيتك الجديدة "بتتذكري" ، وقد رصدت ردة فل الناس عند إطلاقها لأول مرة، ماذا تخبرنا عن هذه الأغنية؟

لقد كتبت و لحنت هذه الأغنية منذ فترة طويلة، هي من النوع الكلاسيكي، فمن بعد أغنية "يا تفيدة" كان يجب أن أتابع إصدار الأعمال لأن التوقّف عن ذلك غير مفيد، قام بتوزيعها جورج قسيس وهو إنسان مبدع، وقد لاقت ردة فعل إيجابيّة جداً وأنا سعيدٌ بذلك. هي أغنية لا تُشبه السوق التجاري في الفن هذه الأيام، وهذا أمرٌ كان صعباً على عاتقي، لأنه يُعتبر تحدياً أن تطلق عمل لا يُشبه المتوافر في السوق ، هي أغنية بعيدة عن عالم السهر، ورغم ذلك فقد لاقت رواجاً كبيراً على مواقع التواصل الإجتماعي.

هل هناك إدارة تدعم جورج نعمة، أو أيّ إنتاج؟

صراحةً، أنا أدعم نفسي وانتج لنفسي. فقد إكتسبت خبرة في المجال خوّلتني أن أقوم بإدارة المشاريع الفنيّة، الإنتاج الفردي أصعب لكنه أضمن ويُوصلك إلى المكان الذي تصبو إليه. شركات الإنتاج تحدّك بالشروط و تجبرك على أن تنجرف مع التيار السائد في المجال، وهذا الأمر لا أحبّذه أبداً. أفضّل ان أتفرّد وأتميز حتى لو كانت هذه المسألة أصعب.

ما هو حلم جورج نعمة؟ شهرة على صعيد عربي، عمل مشترك مع فنان كبير، عمل مسرحي؟

الحلم غير مختصر في الوقت الحالي، أما بالنسبة للحلم طويل الأمد فأنا أحلم أن أترك بصمة فنّية ولو كانت صغيرة. وهذا يجب أن يأتي نتيجة عمل كبير. لقد سعدت جداً بالتعاون مع زياد بطرس وداني حلو ونبيل أبو عبدو، لذا فإن النجاح هو مسألة مراحل لتخلق حالة فنّية معيّنة. طموحي أهم من الشهرة، أنا أرغب في أن أجلب الفرح للناس .

هل تحلم بالشهرة الكبيرة؟

هذا حلم كل فنان، لكن الشهرة لا تغريني على قدر ما يغريني العمل والنتيجة والقيمة الفنّية. وهذا ما سبب تأخري بعدة فرص عُرضت عليّ ورفضتها.

فرصٌ من أيّ نوع؟

إنتاج على سبيل المثال، كانت عرضت عليّ الدعم لكن بشروطٍ لا تتناسب مع قناعاتي الفنيّة.

هل تحضّر أعمالاً جديدة؟

نعم أنا بصدد التحضير لأعمال جديدة، كما أن البحث جارٍ عن أغانٍ مع أسماء مهمّة في المجال.

أسماء مهمة ؟ من؟

زياد بطرس ، كما الأستاذ الكبير مارسيل خليفة.

هل هناك مشاريع حفلات؟

طبعاً، إنني بصدد الإستعداد لمهرجانات عديدة خلال الصيف القادم. كما أنني أحضّر لسفرات فنّية إلى قطر والأردن. لكنني أركّز أكثر على حفلات لبنان، فأنا أحب هذه الأرض ومتعلّق بها جداً. هذه الأرض تشبهني، لذا أبحث عن النجاح فيها قبل السعي نحو أيّ شهرةٍ عربيّة.

أنت أصلاً تصرّ على الغناء باللهجة اللبنانية..

صحيح، نادراً ما أغّني بلهجة أخرى.

هل من مشاريع أخرى؟

نعم، هناك مشروع تصوير أغنية مع "أنغامي"، وهي لعدة أغاني مع الفرقة الموسيقيّة.

كلمة أخيرة لجورج نعمة..

إن مرجعيتي الأهم والعنصر الأكبر الذي يقوّيني في مهنتي هي محبة الناس، إن أستشعر الزيادة في نسبة محبة الناس لي، لكل من يستمع إليّ أقول له "كتّر خيرك" بفضلك أنا نجحت، ومن لا يعرفني أتمنى أن يسمتع إليّ ربما سيجد في مكانٍ ما، ما يشبهه في الفن الذي نقدّمه. هدفنا الأساسي هو أن نشبه الناس.