على مدى 6 أيام متتالية، عاش عشاق السينما والأصوات الجديدة فيها تجربة فريدة ورائعة من خلال النسخة الثالثة من ملتقى "قمرة" السينمائي 2017، والمنبثق عن مؤسسة الدوحة للأفلام، وذلك في العاصمة القطرية الدوحة، وتحديداً في سوق واقف ومسرح المتحف الإسلامي.

"قمرة" 2017 فتح الباب أمام محبي السينما والعاملين فيها للقاء أسماء هامة في عالم صناعة السينما العالمية والتزوّد من خلالهم بمعلومات كثيرة ودقيقة حول هذه الصناعة، وذلك من خلال تبادل الخبرات والنقاشات والحوارات المثمرة.

وكان لمشاركة صانع الأفلام الإيراني والخبير السينمائي في "قمرة" أصغر فرهادي، والفائز بجائزتي أوسكار، وقع كبير في نفوس الحاضرين في الندوة الدراسية التي أقامها ضمن فعاليات الملتقى، وإن اقتصر حضوره على الإطلالة عبر برنامج "سكايب" نظراً لعدم تمكنه من القدوم إلى الدوحة.

فرهادي، الذي كان قد حصد مؤخراً جائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي "البائع"، وسبق وأن فاز بالجائزة نفسها عام 2012 عن فيلم "إنفصال"، بالإضافة إلى مجموعة من الجوائز العالمية، شارك حشداً من صنّاع الأفلام وممثلي الصناعة والضيوف رؤيته الخاصة حول التقنيات التي استخدمها مستعيناً بخلفيته في العمل المسرحي الأمر الذي ساعده في صناعة أفلام تعكس هموم وواقع الحياة اليومية. كما تحدث فرهادي عن سبب عدم استخدامه للموسيقى في أفلامه إلا في نهايتها كونه يريد لمشهده أن يكون أكثر واقعية ولا يريد للموسيقى أن تأخذ المُتفرج إلى عالم الأحاسيس والمشاعر التي يُفترض أن ينقلها المشهد نفسه، شارحاً بأنه يتعمد استخدامها في النهاية سعياً منه ليخرج المشاهد من عالم الأحاسيس والعواطف إلى عالم التفكير بعمق في قصة الفيلم. وكشف فرهادي عن اهتمامه بالتفاصيل كونها تمكنه من تقديم سرد قصصي مميز، وأضاف: "نعطي المشاهد كل المعلومات ونترك لهم الحكم بأنفسهم".

من جهتها، دعت صانعة الأفلام الأرجنتينية لوكريسيا مارتل، خلال ندوة دراسية أجرتها على هامش الملتقى، صنّاع الأفلام الواعدين إلى الحذر من القواسم المشتركة التي تسيطر على مفهومنا عن الواقع وتحدي هذه المفاهيم من خلال اعتماد وسائل جديدة للتفكير وطرح الأفكار. وشرحت مارتل أهمية الصوت في الفيلم من خلال تحذير المشاهدين وشدهم إلى التوقف عن المشاهدة، بينما يواصل الصوت طبع التجربة السينمائية ما يخلق تفاعلاً أعمق عند الحضور.

بدوره، أطل صانع الأفلام الكمبودي ريثي بان، أحد أهم وأشهر صنّاع الأفلام الوثائقية على المستوى العالمي حيث رشّح فيلمه الوثائقي "الصورة المفقودة" (كمبوديا، فرنسا/ 2013) لجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي، على صنّاع الأفلام القطريين الواعدين خلال ندوته الدراسية ودعاهم إلى توثيق تاريخ بلادهم، قائلاً: "إذا لم توثقوا قصصكم ستجدون أنفسكم بلا تاريخ". وتحدث بان خلال الندوة عن تاريخه السينمائي وأعماله الخاصة مثل "شعب الأرز" (1994)، "الخمير الحمر آلة الموت" (2004)، "داتش: الجحيم الكبير" (2012). كما أعاد بان سبب تأسيسه لمركز بوفانا إلى المساعدة في إعادة بناء الصناعة السينمائية الكمبودية، وأعلن عن أنه حالياً يعمل مع عدد من الكمبوديين الشباب على فيلم "أولاً قتلوا والدي"، وهو الفيلم الأخير الذي اقتبسته أنجلينا جولي من ذاكرة لونغ أونغ.

والجدير بالذكر، أن النسخة الثالثة من "قمرة" تضمنت "جلسات قمرة الحوارية" وهي فعاليات جديدة إنطلقت مع الجلسة الأولى التي حضرها بيير ألكسندر لابيل، الرئيس التنفيذي لشركة "أندر ذا ميلكي واي"، جيانلوكا تشاكرا المدير التنفيذي لشركة "فرونت رو فيلمد للترفيه"، والسيد نادر سبهان رئيس شركة "إفلكس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، وذلك تحت عنوان "التوزيع والتسويق الرقمي الدولي". تهدف هذه الجلسات المفتوحة أمام الجمهور، والتي تجمع أبرز خبراء التكنولوجيا والسينما والتلفزيون والإنترنت، إلى مناقشة مجموعة من القضايا المهمة للمشاركين من خلال تقديم مفاهيم جديدة في المجالات المؤثرة في السينما والإعلام. أما الجلسة الثانية فكانت مع الكاتب والمنتج المعروف للمسلسل الكرتوني الكوميدي الشهير "عائلة سيمبسون" مايك ريس، وذلك تحت عنوان "الكتابة والإنتاج لأعمال التحريك".