تاريخ بلدنا لبنان الذي كان حافلاً بالبطولة والشهامة والوطنية توقف للأسف عند الاستقلال.

وعجزت الدولة منذ تلك الفترة حتى اليوم عن كتابة أسطر تسرد للجيل الجديد حقبة تاريخية شهدت العديد من الانجازات والحروب والمشاكل والنجاحات... ولكن هناك من لا ينتظر الكتب والسياسية لتسرد ما يحلو لها وما يناسبها .. هناك من يبحث في التاريخ عن مجد حقيقي عاشه هذا البلد ويسعى لنقله إلى جيل على وشك ان يفقد الثقة والامل ببلد كان في الماضي أرض الأمل والراحة والامان... الزميل جورج عيد، اختار ان ينقل للبنانيين والعالم صورة لا يعرفونها عن وطنهم.. عن لبنان الذي قصدته الشعوب المضطهدة ووجدت فيه الامان والاستقرار. "Kalimera من بيروت" فيلم وثائقي يقدمه عيد عن قصة يونانيي لبنان. فماذا يقول عن هذا العمل؟ ما هي الأسباب التي دفعته إلى إنجازه ؟ وما هي رسالته إلى اللبنانيين واليونانيين؟ تفاصيل كثيرة تعرفونها عن هذا العمل في هذا اللقاء ...

ما هو هذا العمل الذي ستقدمه قريباً؟
" Kalimera من بيروت " فيلم وثائقي مدته 34 دقيقة يتناول قصة يونانيي لبنان.

كيف راودتك فكرة هذا العمل ؟
هناك عدة أسباب لقيامي بهذا الفيلم ولاختياري التحدث عن الشعب اليوناني. جدي (لناحية والدتي) يوناني وهو اهتم بتربيتي في طفولتي نظرا لظروف الحرب. تأثرت به كثيراً. وعندما توفى منذ 16 عاماً وعدته بأنني لن أنسى كل ما اخبرني اياه عن عائلته. فهو أخبرني قصصاً عن هجرة اليونانيين إلى لبنان وكيف أتى عندما كان طفلاً إلى هنا وكيف عاش بهذا البلد وكم أحبه وأحب اليونان. ولكني كنت خائفاً من ان انسى هذه المعلومات مع مرور الوقت. وعندما شهدت التكنولوجيا تطوراً كبيراً صرت اقرأ أكثر وأكثر عن المواضيع التي كان يخبرني بها. ففكرت لمَ لا انجز شيئاً يسلط الضوء على تاريخ بلدي خصوصاً انني أحب تاريخ لبنان القديم والتنوع الذي فيه وكل شي يتعلق ببيروت القديمة يدغدغ مشاعري ويحعلني أشعر انه كان لدينا بلد ومقومات بلد وانظر أين أصبحنا اليوم.

ما هدفك من تناول هذا الموضوع تحديداً ؟
العمل منطلق من أمرين، الأول نوستالجيا إلى الماضي وإلى بيروت ما قبل الحرب، والثاني الحفاظ على ذاكرة معينة لم يتحدث عنها أحد من قبل وبقيت قصص هؤلاء الناس مطمورة، خصوصاً عندما اندلعت الحرب مجدداً في لبنان وعاد اليونانيون إلى بلدهم من جديد كغيرهم من الأجانب الذين كانوا في لبنان.

انت اليوم سرت بعكس التيار واخترت ان تتحدث عن لجوء الأجانب إلى بيروت بينما كان يركز البعض على هجرة اللبنانيين إلى الخارج.
لدي أيضاً جدتي من تركيا وهربت من هناك واتت إلى لبنان... لدينا تنوع كبير في العائلة. الفكرة التي ذكرتها هي الفكرة الاساسية التي انطلقت منها! أردت ان أقول لمن يغادر البلد: "أنتم تغادرون وتتركون هذا البلد ولكن هناك فترة زمنية كان فيها هذا البلد ملجأ لا بل كان أرض الفرص لكثيرين". فعائلة جدي مثلا اتت إلى لبنان وبنت مصنعاً لصناعة الأحذية وكان من أوائل من صائع الأحذية في البلد واستمروا .. وكانوا يصدرون البضاعة إلى الخارج مثلما كنا نصدر المسلسلات إلى الخارج أيضاً... هذا البلد الذي "نازل من عين البعض" كان بفترة "العين عليه" وملجأ للأقليات.

العمل يتضمن معلومات وصور. ايهما كان الوصول إليه أسهل ؟
لم يكن سهلا ابداً ! حتى صور العائلة لم يترك لي جدي الكثير منها فتطلب مني الامر التواصل مع افراد العائلة والسفر إلى من هم في الخارج من أجل الحصول على الصور. واعتمدت أيضاً على أرشيفي الخاص فكان بحوزتي بعض البطاقات البريدية القديمة من مراسلات قبل أن تحضر العائلة إلى لبنان بالاضافة إلى بعض الصور. ثم توجهت نحو الجالية اليونانية في لبنان وتمكنت من الحصول على صور قديمة نادرة بفضل اساتذة في بعض المؤسسات اليونانية في لبنان. واستطعت ان احصل على أمور ستشاهدوها للمرة الاولى وما كنا لنعرف ما كان عليه بلدنا الصغير لولا هذه الصور.

​​​​​​​مصدر المعلومات التي سترد في هذا الوثائقي هي فقط الأخبار التي سمعتها من أفراد العائلة أم ان هناك بعض الكتب والأبحاث والشهادات التي تقدمها شخصيات معنية ؟
المصادر جامعة في هذا العمل.. سيكون هناك شهادات من سفير الجالية اليونانية في لبنان والسفير اليوناني تيودور باساس الذي كان لعائلته قصة أيضاً مع لبنان. وهناك أيضاً شهدات حية من يونانيين كانوا في لبنان. هناك أيضاً مراجع مستندين عليها والأرشيف الذي انجمع من هؤلاء الاشخاص. هناك معلومات ستكشف للبنانيين للمرة الأولى في هذا الوثائقي.

من كان متعاون ومتحمس اكثر لهذا العمل: الجانب اللبناني ام اليوناني ؟
الأمر مبادرة فردية وانا لم أطلب المساعدة من احد بل قررت أن يكون عملي مستقل وأنجزته بمفردي وقررت ألا يكون تجارياً رغم انه كان مكلفا. اردت من خلال هذا الوثائقي أن اوصل رسائل عن لبنان وعن اليونان ومن هنا اخترت عنوان نصفه يوناني ونصفه الآخر لبناني: "Kalimera من بيروت" أي "مرحبا من بيروت". الجهات الموجودة في السفارة رحبت كثيراً بالعمل والجالية اليونانية رحبت أيضاً وزودوني بالمعلومات قدر المستطاع.

​​​​​​​هل أفهم منك ان الجانب اللبناني لم يكن مهتماً وتحديداً وزارتي الثقافة والسياحة ؟
بصراحة أنا لم اذهب باتجاههم بل قررت أن اصور قصة وانطلقت بالمشروع. الفكرة خطرت على بالي منذ سنوات ولكن في ليلة قررت ان ابدأ بالمشروع وانطلقت به. وعندما بدأت بالمشروع هناك أشخاص كثر دعموني وساعدوني.. بالنهاية هذا المشروع يتحدث عن لبنان ويعني اللبنانيين بقدر ما يعني اليونانيين. فالوزير اللبناني آلان حكيم هو من الاشخاص الذين يحملون الجنسية اليونانية لأن والدته يونانية. وهناك شخصيات كثيرة تعاقبت على مراكز في السلطة هم من اصول يونانية. وهذا العمل هو الوثائقي الأول المترجم إلى اللغة اليونانية ولهذا كان لدي تعاون مع مترجمة يونانية لديها خبرة كبيرة جدا بهذا الموضوع.

​​​​​​​هل تعتبر أن عملك هذا يكشف صورة عن تاريخ لبنان لم تذكرها كتب التاريخ التي تدرس للجيل الجديد؟
هناك امور ومراحل كثيرة لم نتحدث عنها في تاريخ لبنان وللاسف نحن لا نسلط الضوء إلا على القتال والدمار... التاريخ ناقص في بلدنا وانا لدي ملاحظات كثيرة على هذا الموضوع. هذا الوثائقي بالنسبة لي صرخة احتجاج بوجه هذا الواقع .. واقع ان نظهر الوجه السلبي عن هذا البلد. هذا البلد كان في فترة من الزمن ليس فقط لؤلؤة الشرق الأوسط انما كان ارضاً لجأ لها الناس ووجدوا فيها فرصا مهمة.

من ساعدك في انتاج هذا العمل الذي تريد توزيعه مجاناً على الرغم من كلفته ؟
لم يساعدني أحد بل هو مبادرة شخصية وأنا كنت مؤمناً بهذا المشروع وارغب كثيراً بتنفيذه. كثر علقوا على موضوع توزيع العمل وليس بيعه ولكنني أنا اريد أن اوصل رسالة معينة واليوم سنحت لي الفرصة بالقيام بهذا الفيلم وقد لا تأتي مرة أخرى.. "انا كان في براسي موال بدي غنيه" عنوانه التنوع وصورة لبنان التي مسيناها. أريد لكل من سيأتي بعدنا أن يعلم انه كان هناك في هذا البلد مساحة لكثير من العالم لكي يعيشوا مع بعضهم وكان هناك مساحة بهذا البلد تجعلنا نفتحر به .. ولو حفظنا هذه الصورة عن لبنان قد تعطينا أملاً باعادة لبنان التنوع ولبنان الذي لجأ اليه الشعب الأوروبي.. نحن اليوم نسمع عن هجرة السوريين واللبنانيين وغرقهم في البحار ولكن حتى عندما قصد اليونانيون لبنان اجتازوا البحار وغرقوا ودخلوا على بلادنا سيراً على الأقدام واستقبلناهم وكنا "هلقد مهمين كبلد".

هل سيعرض اذا على شاشة "MTV" ؟
هذا الأمر لم أفكر به بعد. عندما تكون تعمل بمفردك وتنتج العمل تكون الامور متعبة بوجود عملك اليومي. أنا حالياً اركز على اطلاق هذا الوثائقي الذي سيكون برعاية وزارة الثقافة في لبنان والسفارة اليونانية.