اليوم و الدنيا منشغلة بقضيّة التنقيب عن النفط وتقاسم قطعة الجبن الكبيرة، لأن بالنفط يولد السلام وله تنذرُ الحروب. في الزمن النفطي هذا، عاد أكبر بئرٍ للنفط اللبناني بضخ ثرواته في شرايين الوجدان والوجود، وجود الأمس، إستقرار اليوم وديمومة الغد. إن أهمّ وأكبر بئر للنفط اللبناني هي الثقافة، المخزّنة تحت أرض الإبداع والمتداولة في أسواق الذاكرة الوفيّة. "كركلاّ" الإسم الذي يُسمع على نغم التصفيق وهتاف الحماسة، هو الإسم الديبلوماسي الأقوى للبنان بين الأوساط الفنّية العالميّة، تليقُ به مدارج بعلبك، تسعى للقائه خشبة المسرح، تتوق إليه الأرواح المتعطشة للفن الأصيل.

"إبحارٌ في الزمن"، ملحمة جديدة من إبداع "إيفان كركلا"، في مدينة الشمس يتجوّل سياحٌ من جنسيات مختلفة، بينهم شاب إسمه تيمور، ينفرد بين رفقائه إثر مشاهدته رجلاً مسناً تملؤه الغرابة، فيلحق به فيجد نفسه أمام عرش جوبيتير! جوبيتير ينقل تيمور إلى الماضي البعيد ويروي له قصة الميدالية التي يحملها على صدره ومغامرة جده تيمور الكبير على طريق الحرير. لنشهد في المسرحية على عرس فولكلوري يدور خلاله جدال بين أهل الضيعة المنقسمين بين موافقٍ و معارض على إرسال بعثةٍ جديدةٍ نحو أقاصي الارض. وذلك بعد أن باءت الرحلة الأولى بالفشل. وهنا يتقدّم تيمور الجد ليقود هذه المغامرة على طريق الحرير، نحو بلاد عُمان بحثاً عن إبن ماجد أي البحار ليكون مرشداً لهم في رحلتهم. يتابعون المسيرة نحو بلاد الهند ، وصولاً إلى الصين العظيمة ، حيث يتم إلقاء القبض على جميع أعضاء البعثة.

هدى حداد، جوزيف عازار، رفعت طربي، نبيل كرم، علي الزين، هشام مغريشي، سيمون عبيد وغابريال يمّين، بالإضافة إلى نخبة كبيرة من الممثلين الذين أضافوا إلى السيناريو نفحةً من المهنيّة والحرفيّة التامة.

حفل إفتتاح العمل المسرحي لم يكن بالعادي طبعاً، فقدّ جُنّد له الكثير من مقومات التغطية الإعلامة والدعم الشعبي. من أعلى رأس الهرم، بحضور فخامة الرئيس العماد ميشال عون ودولة الرئيس سعد الحريري، مع نخبة كبيرة من كبار أهل السياسة و الفن، الإعلام، والإنتاج. إستهل الحفل بكلمة للسيّد كركلا الذي أشاد بعهد فخامة الرئيس عون، و بأهميّة الثقافة في الحياة اللبنانية، كما نوّه بكل مقومات الأعمال التي يطلقها.

لُحظ جليّاً وجود فرق رقصٍ عالميّة، من الصين والهند واليابان واليمن وعمان وإيران، فإكتملت معها الصورة المبدعة على المسرح الذي إمتاز بإضافة مؤثرات بصريّة وسمعيّة غير عادية، بخاصة بإستخدام تقنية ثلاثية الابعاد، والإضاءة عبر اللايزر. كما أن الممثل رفعت طربيه الذي كان الراوي أبهرنا بصوته وإلقائه، واستمعنا إلى أغنيات من وحي القصّة والتي جاءت في خدمة الرّقص من كلمات وألحان عبد الحليم كركلا الذي أبدع فيها.

الرقص مزيج بين الشرق والغرب إختذلتهُ مصممة الرقص أليسار كركلا في ملحمةٍ مسرحيّةٍ نقلت عبرها الحضور إلى سماءٍ ظنّوا أنها بعيدة، وها هي برياحٍ كركلّيةٍ، تلفح وجوههم وتنقلهم إلى دنيا غير الدنيا أما تصميم الأزياء والملابس فلـ فاتن مشرف.

نهاية المغامرة عند أسوار مدينة الحرير شيان، يُكشف في نهايتها عن سرّ الميداليّة التي تناقلتها عائلة تيمور، والنهاية تُكلل بتاريخ لبنان المبهر، عبر عرضٍ لبنانيٍّ راقص بات يُعرف بإسم واحد :"كركلا".

لم تتعب الايدي من التصفيق، لم تخجل الأصوات من الهتاف، لم تتعب العقول من إستيعاب هذا الكمّ الهائل من الإبداع، حينها تمّ إلباس كلّ من الرئيسيّن عون والحريري عباءةً لبنانية من صلب هذا التراث الصلب.

يذكر أن العرض المسرحيّ الرّاقص "إبحارٌ في الزمن" سيستمرّ عرضه حتى نهاية آذار المقبل.

فعلاً كركلّا، حيث يكون، لبنان.