بصدفةٍ غريبة، شاهدت عبر وسائل التواصل الإجتماعي فيديو كليب كان يُعرض منذ حوالى العشر سنوات على إحدى الشاشات الفنّية التي كانت تُعدّ حينها سيّدة السوق الفني ومساهمة فعّالة في عصر الإنحطاط، والذي إنتهى على عتبة الإعلام الجديد.

حينها خطر لي التواصل مع الأصدقاء الفنانين لأسألهم عن تكلفة الفيديو كليب هذه الأيام، وعن الحاجة إليه حتى. فتفاجأت أنه لا يزال البعض منهم مقتنعاً بالحاجة إلى الفيديو كليب ومخرجيه الجهابذة. حتى أن البعض منهم أي المخرجين لا يزال يتعامل مع الفنان بعقلية السنين الماضية والتي هوت إلى غير رجعة. ولا يزال البعض منهم يتعامل بفوقيّة المحتكر وعنجهيّة صاحب الفضل. وهنا طبعاً لا ألومهم، فالمثل اللبناني صادق فعلًا "رزق الهبل على المجانين"، فال"الهبل" أي المخرجون يستفيدون من أمول ال"مجانين" أيّ الفنانين لكي يحققوا الأرباح من جراء "جنونهم"، لأن الفنانين أو إداراتهم لا يعيشون في واقع اليوم ولم يعوا التغيير الذي إستجدّ على هذا الكوكب المقهور، كما أنهم نائمون في شرنقة الماضي، لا حول لهم ولا إنتاج.

الأسعار تتفاوت بين الـ 60 ألف وتصل إلى الـ 300 ألف في حالات الغباء الأقسى، فالتكلفة لا ترتكز فقط على المعدات والتصوير والأماكن والممثلين والمونتاج وإنما على إسم المخرج وصيته في بورصة "وال ستريت" في نيويورك ، وأسعار التداول لبرميل النفط والذهب الخام. هكذا بدا لي الأمر عندما إستفسرت عن التسعيرة لكل مخرجٍ على الساحة، ومن دون أن أدخل في تفاصيل أسمائهم المبهّرة سألت الفنانين وأسألهم بلغة الحبر هنا.


ألا يدرك الفنان اللبناني بأن عصر الفيديو كليب إنتهى؟ ألا يعيش في دنيا الواقع؟ ولمن لا يدرك هذا الواقع، هدف الصحافة أن تفتح عينيها عليه. إننا نعيش اليوم في عصر صلابة الإنترنت وتفوّق وسائل التواصل الإجتماعي، لذا لم يعد الفنان بحاجة إلى فيديو كليب لكي يسوّق أغنيته الجديدة، كما أنه لم يعد أبداً أبداً بحاجة إلى أيّة شاشة تلفزيون لكي "تتمقطع" فيه وتعرض له الكليب مقابل أوراق دولاراته الخضراء، فليحتفظ بها لأعمالٍ أخرى وليوفرها. عبر دعم أغنيته على المواقع الخاصة بالأغاني ، يمكن للفنان إطلاق أغنيته الجديدة التي تصل خلال ساعة واحدة إلى ملايين الناس في العالم، وبكلمة العالم أخصّ الإغتراب الذي يصله الإنترنت بشكلٍ شبه مجاني ويستخدمه عبر هاتفه من دون القلق من صرف الوحدات. ثانياً يمكن للفنان أن يطلق الأغنية عبر يوتيوب ومن دون أيّ عناءٍ للفيديو، مجرد صورة و"بيمشي الحال" ، حينها فليترك للنشر وإعادة النشر عبر كل الوسائل مهمة إيصال الفيديو إلى ملايين الناس بلحظات، تكون فيها إدارات المحطات التلفزيونية لا تزال مخدّرة بوهم القوة والسلطة الإعلامية، فها هم يزحلون إلى الهاوية بعد وعي عدد كبير من المعلنين على حقيقة الإنترنت والإعلام الجديد.

إستفق يا حضرة الفنان اللبناني، وفّر مالك لمشاريع فنّية أهمّ من فيديو كليب سيعبّي جيبة المخرج ويضيعك في هواء المحطات، أغنيتك لم تعد بحاجة إلى مخرج ولا إلى فيديو كليب، أغنيتك بحاجة إلى علم تسويقٍ عصري، يجعل منك فناناً ذكياً، قويّ الشخصيّة لا تخضع لوهم التلفزيونات وإداراتها العجوز التي تحتضر، بل تعيش لسرمدية الإعلام الجديد والإنترنت. وفّر أموالك يا حضرة الفنان، فزمن الفيديو كليب قد إنتهى.