فيروز عاصرت حقبة مهمة في تاريخ مصر وزكي رستم طلب منها ألا تجرحه.


كانت تفتخر بنيللي وتحب نعيمة عاكف ولا نزاعات عائلية بالأسرة.
شكرت الرب بعز المرض وتعشق بيروت وتحدثت الأرمنية في برج حمود.

في الجزء الثاني والأخير من حوار الذكريات مع إيمان إبنة طفلة الأمس المعجزة فيروز والممثل بدر الدين جمجوم تتحدث فيه عن أمنيها تقديم سيرة حياة والدتها، وعن تقدير والدها للمواهب ومساعدتهم، وعن أحب أعمال خالتها الفنانة نيللي لقلب والدتها التي كانت تعشق السيدة فيروز وتصفها بالصوت الملائكي.


هل توافقين على تقديم سيرة حياة والدتك بعمل درامي؟
أتمنى، لأن من ضمن الأشياء التي ندمت عليها هي عدم انتهازي الفرصة بتسجيل مذكرات ماما، ليتني سجلتها لأنها عاصرت أجيالاً ، وكل محطاتها الفنية صالحة لتؤرخ بالفن، ولا تنسي انها ظهرت في العهد الملكي، واخبرتني ان الملك فاروق عندما شاهدها في حفلة الهواة الخاصة بالأطفال شجعها وأعطاها مكافأة مادية وكان حينها مبلغاً جيداً، كما تجمعها صور مع جيش الاحرار، ومع الرئيس الراحل محمد نجيب، وغيرة بإختصار هي عاصرت حقبة زمنية مهمة من تاريخ مصر، بالاضافة الى عمالقة السينما المصرية، كما ان جارها كان الفنان الكبير محمد فوزي وكانت على المستوى الشخصي على ارتباط جميل بالجميع مثل مديحة يسري، وصباح ورشدي اباظة وفريد الاطرش وليلى فوزي ومديحة يسري وعبد الحليم حافظ وغيرهم وكلهم رموزاً رائعة، وأخبرتني مرة كيف طلب منها الكبير زكي رستم وهما يمثلان مشهداً من فيلم "ياسمين" ان تنتبه حتى لا تجرحه وهي تقص شاربه، وكيف زارت النجمة كاميليا صديقها أنور وجدي في البلاتوه حين كان يمثل مع ماما مشهد مستر- سين تقول له فيه "انت ماما انت بابا انت كل حياتي"، ويومها قالت لها كاميليا لو مثلت المشهد بعمق سأعطيك هدية ، وبالفعل هذا ما حصل اذ جلبت لها لعبة طول ماما وهي طفلة، وعن زينات صدقي كيف كانت سيدة عملية جداً وملتزمة بمواعيدها على عكس ما نراها على الشاشة من حيث الضحك والمرح، وبأمانة كلمني النجم هشام سليم قبل رحيل والدتي بخمسة أشهر وأخبرني أنه أجرى بعض الأفلام الوثائقية من انتاجه حول السير الذاتية وهي لجميل راتب، فاتن حمامة، ودريد لحام وطلب أن يسجل فيلماً عن فيروز فاعتذرنا لأن حالتها الصحية لم تكن تسمح لها بالتصوير.

من ترشحين للقيام بدور فيروز؟
هنا يُكمن الخوف يجب أن تكون وجهاً جديداً وطفلة وأن تكون موهوبة جداً .


ألم يكن لفيروز أو في أسرتها أية نزاعات؟
أبداً صدقيني، نحن عائلة صغيرة مترابطة ببعض، أسرة أمي مؤلفة من ثلاث بنات هن ماما وميرفت ونيللي وثلاثتهن مثلن معاً فيلماً حمل عنوان "عصافير الجنة" ، وكما ظهرن بالفيلم هن كذلك مرتبطات ببعضهن، وكل أفراد العائلة لا يسودها أي نزاع.


لكن جدك أراد إحتكار فيروز؟
صحيح، وذلك بعد نجاح فيلم "ياسمين" إذ وقع سوء تفاهم فيما بعد بينه والنجم أنور وجدي وكان أن قدمت فيلم "فيروز هانم" لتعود بعدها الى عالم أنور وجدي بفيلم "دهب"، والاختلافات بينهما كانت مادية بحتة الى أن قرر جدي أن يُنتج فيلم "الحرمان" الذي لم يحقق نجاحاً كفيلميها مع أنور وجدي لأنه أي "الحرمان" كان عملاً درامياً بحتاً والناس أحبوها بالغناء والرقص والكوميديا، ومع ذلك كانت تعتبر نفسها محظوظة لأن أنور وجدي إستخرج كل طاقاتها، وعندما سئلت لماذا لم يعد يوجد في وطننا العربي طفلة معجزة ردت بالقول لأنه لا يوجد فنان بجرأة وذكاء أنور وجدي الذي طلب من الموسيقار عبد الوهاب أن يشاركه بإنتاج فيلمها "ياسمين" فرفض الثاني، بينما تجرأ الأول على انتاج الفيلم وجازف بأمواله وقدم أمي وحقق العمل نجاحاً كبيراً، لدرجة أن عبد الوهاب عاد وطلب من أنور وجدي أن يشاركه بإنتاج فيلم "دهب" لكن الأخير إعتذر، وبفترة المراهقة قدمت بعض الأفلام منها "عصافير الجنة" مع شقيقتيها نيللي وميرفت ، إلا أنها وجدت أنها تشبعت من الشهرة بطفولتها فقررت من بعدها الإعتزال، يعني جدي لم يرد إحتكار فيروز بل كان يغار عليها فنياً.


بعد الإعتزال كيف كانت حياتها؟
عاشت الحياة الأسرية بعيداً عن الأضواء ومارست أمومتها وعشقها لأحفادها، كانت بيتوتية ونشيطة ومؤمنة للغاية، حتى عندما كانت مريضة لم تكن لتشعرنا بأنها كذلك، كانت شخصية كتومة وتتحامل على أوجاعها رغم خطورة مرحلة مرضها الأخيرة، ودائماً تقول الحمد لله، وأذكر أني سألتها ذات مرة :"هل تحبين الدنيا يا ماما؟" فقالت لي :"طبعاً الدنيا حلوة والرب لا يخلق الا كل ما هو جميل، وأنا شخصياً أحمده يومياً أني في نعمة فالرب منحني الستر والاولاد والاحفاد وحتى بمرضي أتكل عليه"، يعني حتى بعز مرضها كانت تنظر للجانب الجميل بالحياة، وعلى فكرة مرة لم أرها تبكي الا عندما تتأثر من قلبها يعني عندما كنت انجح بالمدرسة أو اذا كانت تشاهد فيلماً مؤثراً، أو عندما أسافر لكن البكاء لمجرد البكاء او الاكتئاب لأتفه الاسباب فهذا لم أعهده بشخصية فيروز على الاطلاق.


وعندما مات والدك الممثل بدر الدين جمجوم؟
ماما كانت "ست جدعة" وتتماسك كي لا ننهار، وتعطينا جرعة رفع المعنويات وتقول لنا إنه كان يتعذب ويتحامل على وجعه وأن الرب رحمه وعفا عنه وانه في مكان أجمل، كانت تقول لنا كلمات تشد من عزيمتنا وهي تكتم حزنها وجرحها العميق لرحيل رفيق عمرها.

هل كانت ناقدة لاذعة تجاه أعمال نيللي؟
كانت صريحة وتنتقد بأسلوب ديبلوماسي، يعني كانت تدقق بالأفلام وتنتقد حتى "الراكور"، عينها مثقفة فنياً، وكانت أحب أعمال نيللي الى قلبها "الفوازير" وافلام "الوهم"،"عذاب امرأة"، "خطيئة ملاك"، سباعية "مبروك جالك ولد" الذي كان عبارة عن سبع حلقات ويضم نخبة من النجوم بالاضافة للاستعراض والدراما، وفيلم "نورا" لنيللي وهي صغيرة الى جانب كمال الشناوي ومحمد رشدي الذي غنى فيه "كعب غزال" ونجوى فؤاد، وأخبرتني ماما أنها شاهدت تصوير هذا الفيلم وهي حامل بشقيقي ايمن، وسهرة "انا وانت وساعات السفر" مع يحيى الفخراني، ومسلسل "برديس" وعدد كبير من الأعمال الاخرى.


من كانت تحب فيروز من نجمات الإستعراض غير نيللي؟
لا يوجد شيء إسمه بعد نيللي، كل ما في الأمر أن نيللي قصت شريط الفوازير مع ثلاثي أضواء المسرح ثم "صورة وتلاتين فزورة" و"عروستي" و"الخاطبة" وكرت سبحة الفوازير المتنوعة، وأحبت فوازير سمير غانم فمن منا يستطيع أن ينسى شخصية فطوطة التي هي علامة بتاريخ الفوازير الذي عشقناه لدرجة اننا حتى اليوم عندما نجد كاراكتيراً غريباً نشبهه بفطوطة، كما عشقت فوازير شريهان الرائعة الجميلة بدليل أنه من بعد شريهان لم نعد نرى الفوازير، يعني الفوازير اقتصرت على الثلاثي نيللي التي فتحت بوابة الفوازير مع فطاحل الاخراج والكتابة والتلحين وسمير غانم صاحب أخف دم وشريهان الحالة الاستثنائية.
نعيمة عاكف كانت تصفها بالمبهرة من حيث الخفة والأداء والتمثيل والجمال والرقص اذ كانت نجمة شاملة، أيضاً كانت تحب من جيل الوسط السندريلا سعاد حسني التي لن تتكرر وتصفها ماما بالممثلة العظيمة.


من كانت تحب من لبنان؟
كثر ، كانت تحب المطربة فيروز التي كانت ماما تسمعها بإستمرار لاسيما بأغنية "شط إسكندرية" عندما نصيف بالاسكندرية، وقبيل عودتنا تسمع "آخر ايام الصيفية" ومن هنا كل الاسرة إرتبطت بصوت فيروز الملائكي، وأيضاً تعشق صباح ووديع الصافي وماجدة الرومي وأحبت فيلمها الوحيد "عودة الإبن الضال"، كما كانت تحب الاغاني الشبابية لنوال الزغبي ووائل جسار وصابر الرباعي وذكرى رحمها الله، واذكر كيف بكت بحرقة عندما ماتت ذكرى.


إسم فيروز هل شكل لها عائقاً كونه يوجد المطربة فيروز؟
أبداً، ماما أرمنية وإسمها الحقيقي "بيروز" وعندما عملت بالفن صار إسمها فيروز ، لكنها عُرفت بـ"قطقوطة" من خلال شخصيتها بفيلم "ياسمين"، وفيروز أسطورة وفيروز قطقوطة من مصر ولها بصمتها المميزة.


هل تم تسجيل مسرحيات والدتك التي قدمتها بسن الشباب؟
للأسف أبداً علماً انها كانت تحتوي على الاستعراض، كما يوجد لها أعمال بالاذاعة مع خالتي نيللي، للأسف كل هذه الأعمال ليست مأرشفة والكثير من جيل اليوم لا يعرف الجيل القديم.


من كان يُضحك بدر الدين جمجوم؟
بابا كان يعشق عبد المنعم مدبولي وفخوراً بمدرسته "مدبوليزم" وطبعاً يحب جداً الكبير فؤاد المهندس، وشخصياً حتى اليوم أعشق فيلم عبد المنعم مدبولي "مولد يا دنيا" وتحديداً بمشهد أغنية "الحصان" حيث يغني بكل تعابير وملامح وجهه، كما كان يحب صديقه اسماعيل ياسين، وسعيد صالح الذي يرى أنه لن يتكرر، والزعيم عادل إمام، كما كان صديقه جداً سيد زيان وحسن مصطفى وزوجته ميمي جمال، وبابا كان حاصلاً على ليسانس في الآداب وبكالوريوس في المحاماة وعمل بالفن كهاوية بعد انضمامه لمعهد الفنون المسرحية، وكان محبوباً بالوسط الفني ولديه أصدقاء كثر وكان دائماً يجامل ويساعد المواهب، وأقولها لأول مرة في حوار صحفي أن والدي هو من اكتشف محمد نجم وشجعه ودعمه وتبناه فنياً الى أن صار نجماً كبيراً واعترف محمد نجم بذلك عقب نجاحه.

والدتك تم تكريمها في لبنان في مهرجان الزمن الجميل الذي ترأسه الدكتور هراتش سغبزريان ماذا عن شعورك لحظة تكريمها؟
تأثرت وسعدت جداً ان يكون اول تكريم لها بعد وفاتها من البلد الذي تعشقه وتزوره دائماً وهو لبنان، وكثيراً ما كانت تقصد منطقة برج حمود وتتحدث بالأرمنية هناك، كانت تعشق بيروت وناسها الذين أيضاً كانوا يعشقونها وكانوا يعرفونها رغم تقدمها بالسن ويسلمون عليها وينادونها بـ"قطقوطة" ويقولون لها "معانا ريال" تيمناً بأغنيتها "معانا ريال"، كانت تسعد بالسفر إلى لبنان ، ولحظة التكريم تأثرت جداً وأنا أستلم جائزتها ، وسعدت بالمهرجان الجميل الذي يكرم الأصالة ونجوم الزمن الجميل.