مارون ماحولي الشاعر الذي يكتب نفسه على الورق ويرسم قلبه وعقله بحبر الإبداع، استطاع من خلال الأمسيات التي أحياها أن يثبت وجوده شاعراً مبدعاً يلهو بالكلام ويطوّعه.


إنه المحامي اللامع والشاعر الألمع، إنه مزيج من عبقرية الدفاع ودراسة القانون وعبقرية الكلمة. هو الذي بدأ مسيرته الشعرية إنطلاقاً من مواقع التواصل الإجتماعي فاستطاع أن يحول التطور والتكنولوجيا إلى وسيلة نافعة في مجال الكلمة والشعر والفنّ لتصل إلى أكبر عدد من الناس ليتذوقوا الشعر في عصر التكنولوجيا والمادة وابتعاد عن الناس عن الأدب والعلوم الإنسانية. فأعادنا مارون ماحولي بشعره المحكي إلى عصر الكبار في هذا الشعر فنسج من خيوط إبداعه ثوباً شعرياً لا يشبه إلا نفسه. ومعه كان هذا اللقاء للإضاءة أكثر على تجربته ولأخذ رأيه في عدة موضوعات:

نعزيك بدايةً بوفاة الموسيقار ملحم بركات الذي كان صديقك وكنت محاميه. أخبرنا أكثر عن علاقتك به وعن آخر لحظاته.
أولاً أريد أن أعزي الشعب اللبناني كله بوفاة الموسيقار ملحم بركات لأن وفاته مصاب أليم يطال كل إنسان ويطال كل لبناني لأن أبو مجد قيمة فنية كبيرة. ولم نتوقع ما جرى معه بعد ان دخل المستشفى للعلاج. إلا أنني لن أدخل في الأمور العائلية أو الطبية لكن أريد أن أقول إن أبو مجد وبكل موضوعية إنسان كبير وفنان كبير. ففي الفترات التي كنت أزوره فيها لم أشعر أنه يتألم أو أنه يتذمر رغم الوجع الكبير الذي كان يتعرض له. كان كأنه جبل لا تهزّه الرياح. كان شخصاً يحب الحياة والفن والحياة تليق به.


مارون ماحولي المحامي ما علاقته بالشعر وما الذي أخذك إليه؟
في الحقيقة أنا أمارس مهنة المحاماة منذ 15 سنة لم أكتب خلالها شعراً. إلا أنني عندما كنت صغيراً في السن كنت أكتب الشعر الموزون على البحور الخليلية وكنت أربح الجوائز. لكن بحكم عملي مرت فترة طويلة لم أكتب خلالها الشعر وشعرت بأني لست شاعراً. لكن بعد أن استقرّ وضعي في المهنة وفي العائلة عدت إلى كتابة الشعر ووجدت أن ما أكتبه جيد. ومن حولي قالوا لي إنني أكتب بطريقة لم يكتب بها أحد قبلي. فتشجعت للكتابة. وخلال فترة قصيرة استطعت أن اثبت نفسي شاعراً على الساحة اللبنانية منذ سنة ونصف فقط.

كيف انتقلت من كتابة الشعر العمودي الموزون إلى الشعر المحكيّ؟
أنا لا أزال أكتب الشعر الموزون بالفصحى. وأعتقد أنني أكتبه بشكل جيد. لكنني وجدت أن الشعر العامي أو المحكي أقرب إلى القلب وقريب إلى التعبير العفوي. وفي إحدى المناسبات كنت ألقي شعراً بالمحكية فقال لي أحد الحضور شعرك جميل "حرام ما يكون موزون". فسألته "هل للشعر المحكي أوزان مثل الشعر العمودي؟" فقال لي نعم وهذا ما لم أكن أعرفه. وبعد مجهود شخصي لمد 15 يوماً تعلّمت الأوزان بمفردي وبمجهود شخصي مثل أي عمل أقوم به، والآن أكتب شعري المحكي بحسب الأوزان وهناك نسبة قليلة من شعراء المحكية يكتبون على الوزن. وبعد فترة قصيرة صرت متمرساً اكثر وصرت أنظم الشعر المحكي كما أنظم الشعر الفصيح.


هل يمكننا اعتبار أن التعبير الشعري الإبداعي يكون أفضل باللغة المحكية منه باللغة الفصحى؟
لا أؤيد هذا الرأي فالأساس في الشعر هو الجمال. ويمكن أن تعبر عن الجمال بأي فن من الفنون بالرسم، والرقص، والنحت، بالموسيقى وبالشعر بالفصحى والمحكي والصيني والإنكليزي، المهم الجمال يجب أن يكون موجوداً واللغة هي تعبير. أما في اللغة العربية فلدينا الفصحى الغنية جداً والقوية جداً وفيها أجمل ما قيل بالشعر الفصيح فهو لا يقل جودة عن المحكي أبداً لكن ما يميز المحكي أنه أقرب إلى النبض الشعبي. يعني إذا كنت تلقي شعراً أمام عامة الناس لا يمكن أن تسمعهم شعراً بالفصحى فالشعر الفصيح فيه كلمات صعبة وتركيب صعب وبلاغة أما في المحكي فليس موجوداً واللبنانيون يفهمونه جميعاً، لكن الأهم هو جمال القصيدة والسياق وبناء القصيدة والفكرة أن تكون جديدة وجميلة وغير مكتوبة من قبل. ولدي هم واحد في الكتابة هو أن أعبر بالشعر بطريقة غير تقليدية وهذا ما يؤكده شعري. فأنا لست غزيراً بالشعر بقدر ما أهتمّ بالجديد الذي أسعى إلى كتابته.

هل أصدرت ديواناً جمعت فيه شعرك؟
في الحقيقة لدي كتب ومؤلفات بالقانون لكن أول ديوان شعر سيصدر لي في الشهر العاشر من العام 2017. وهناك مخطط معين لإصدار ديواني في هذا التوقيت لأنني أعمل بمنهجية خاصة بي.


شهرتك اليوم هي من خلال شعرك المنبري الذي تلقيه. هل هذا يعود إلى ابتعاد الناس عن القراءة وتوجههم أكثر إلى المنابر للإستماع؟
عندي رأي خاص بهذا الموضوع، فالبعض يقول إن هذا الزمن ليس زمن الشعر، لكن أنا أقول إن الشعر جمال وكل وقت هو وقت الجمال لكن هناك دائماً "طلعات ونزلات". لكن برأيي مع تطور مواقع التواصل الإجتماعي خصوصاً الفايسبوك رجعت القيمة إلى الكلمة، يعني أن الناس باتوا يسمعون ويقرأون أكثر. فمن قبل كان من يريد أن يقرأ يفتح كتاباً ويجلس بمفرده أما اليوم باتت مواقع التواصل الإجتماعي التي نتصفحها يومياً كالكتاب المتنقّل نقرأ عليها ما نريده. وإذا أحببت شخصاً تتابعه عبر الفايسبوك. فأنا إذا أحببت أن أقرأ لفلان أدخل إلى صفحته واقرأ له دون غيره. فمواقع التواصل الإجتماعي أعطت دفعاً أكبر للكلمة وللشّعر. والفايسبوك كان انطلاقتي في الأصل وأنا عضو مركز المعلوماتية والتكنولوجيا في نقابة المحامين وهناك 10 محامين متخصصون بالإنترنت والمعلوماتية وقد ساعدتني مواقع التواصل الإجتماعي في إطلاق شعري والناس باتوا يسمعونني عبرها. فكنت أكتب لمدة 6 اشهر شعراً على الفايسبوك من دون أن أتعرف إلى شاعر، إلى أن دعيت إلى أمسية وبدأت بالتعرف إلى الشعراء. ومنذ سنة ونصف صرت ألقي شعري في الأمسيات والحمدلله الناس يحبون شعري وصرت أعرف معظم الشعراء وبت أدعى إلى أمسيات في المناطق كافة .

نرى اليوم فورة للمنتديات الأدبية وانتشاراً للأمسيات. إلى أي حد تساهم هذه المنتديات في إبراز الشعراء السيئين والأقل جودة من غيرهم؟ وكيف يمكن ضبط هذا الأمر؟
هذه الموجة طالتنا فنحن في كفرشيما أسسنا المنتدى الأدبي في كفرشيما ولأول مرة في تاريخ كفرشيما يؤسس منتدى أدبي فرغم عدد الأدباء والفنانين في كفرشيما لم يؤسسوا منتدى متخصصاً يستقطب الجماهير والشعراء. وبالإضافة إلى أكثر من 20 منتدى في المناطق اللبنانية شهدت على ولادة 6 منتديات جديدة وسلبية الأمر أن مستوى الشعر ينخفض لكن لها وجهاً إيجابياً فالكثرة بالأمور الإيجابية أمر إيجابيّ فمن المهم أن يتذوق الجمهور الشعر في كل المناطق اللبنانية لكن هذا سيكون على حساب نوعية الشعر لأنه برأيي عدد الشعراء الشعراء ليس بكثير بل قليل جداً حتى أنا لا أسمي نفسي شاعراً لكن الناس هم الذين يحكمون من هو جيد ومن هو سيء فالبقاء للأصلح .

هل برأيك ما زلنا في عقلية أن الشاعر هو من له ديوان مكتوب وليس مثلك على المنابر ومواقع التواصل الإجتماعي؟
نعم وهذا يؤدي إلى بروز شعراء لديهم 20 ديواناً ليس فيها شعر. فمن الشروط لأكون محامياً أن أكون حائزاً شهادة في المحاماة ومنتسباً إلى نقابة المحامين. أما في الشعر فالشرط هو أنك عندما تقرأ لشاعر تقول فوراً هذا شعر. فألبير حرب أهم شعراء لبنان عمره 80 عاماً لديه ديوان واحد هو "صابيع فوق الشمس". وتجد شعراء أشاهدهم في الامسيات لديهم 20 كتاباً وبالكاد تستطيع أن تتابع أمسيته حتى نهايتها. المهم ماذا يكتب وليس عدد ما يكتبه. وأؤكد أن هناك إقبالاً على الشعر خصوصاً أن في آخر أمسية لي في عاليه كان هناك 150 شخص. والشعر المحكي أجمل ان تستمع إليه لا ان تقرأه. وأنا أستطيع أن أستفيد من التطور وأن أوصل شعري بالصوت والصورة. فالشعر المحكي الأجمل أن يقال وهذا ما اقوم به عبر مواقع التواصل الإجتماعي.

أشعر بأن شعرك اقرب إلىشعر سعيد عقل..
بتواضع أقول إن شعري لا يشبه غيره من الشعر فهو يشبهني وسيصنّف فيما بعد. فأغلب الجمهور الذي يأتي ليستمع إليّ لا يحب الشعر لكنهم يحبون ما أقوله أنا. أن اتشبه بسعيد عقل فهذا شرف لي لكن برأيي شعري يشبهني أنا ومع الوقت آخذ مكاني وأعتقد أني أرسم خطاً لي "على قدّي". وعندما يسمعون شعري يعرفون أني كاتبه وهذا أمر ليس بسهل في فترة قصيرة.


في شعرك القرية والطبيعة وعناصرها. أخبرنا عن علاقتك بها خصوصاً بقريتك كفرشيما..
هناك إحصاءات تشير إلى أن ألفنون تأتي من الريف لأن إيقاع الحياة يأتي من الريف. وأنا استخدم عناصر الطبيعة كلها وأتحدث عن المرأة والطفل والعائلة لكنني اشعر بأن المدى والسماء والله تشبه الشعر الذي لا ينتهي. والشعر يشبه الله لأنه الخير المطلق. وأنا عندما أؤمن بقضية إنسانية أكتب عنها مثل الجيش والمقاومة وفلسطين..
إلى أي مدى يجب أن يكون الشعر صادقاً؟
ليس هناك شعر ليس صادقاً فالكذب لا يمكن أن يكون شعراً فالشاعر شيء متكامل.