برعاية المركز الثقافي في مدرسة سيدة الجمهور، أقام معهد الموسيقى ومركز التراث الموسيقي اللبناني في المدرسة محاضرة عن مؤلفي "الموسيقى اللبنانية العالِمَة" في لبنان والعالم، .


نائبة رئيس مركز الإرث الموسيقي اللبناني في مدرسة الجمهور الدكتورة زينة صالح كيالي قدمت المحاضرة بحضور نائب رئيس المدرسة الأب دُني ميير اليسوعي، وعازفة البيانو الفرنسية كريستين مارسيه وعدد من مدرسي معهد الموسيقى وطلابه إضافة إلى مهتمين بالموسيقى الكلاسيكية.

في مستهل المحاضرة أشارت كيالي إلى أن "الموسيقى اللبنانية العالِمَة موجودة في ذاتها وقد تطورت بشكل كبير في الأعوام المئة المنصرمة وكأنها خاضت في قرن واحد طريق التطور التي خاضتها الموسيقى الغربية خلال القرون العشرة الفائتة".
وسردت كيالي كيفية التطور الموسيقي في لبنان منذ أيام الحكم العثماني، وأشارت إلى أن أول من كتب ونظم نظريات الموسيقى الشرقية هو مخائيل مشاقة (1800-1888) من دير القمر، وقد استعملت نصوصه في مؤتمر القاهرة للموسيقى العربية سنة 1932 من دون أن يُذكَرَ اسمه.
كيّالي تحدّثت عن بدايات الموسيقى اللبنانية مع الأباء المؤسسين، مشيرةً تحديداً إلى الأخوين أحمد فليفل (1899-1985) ومحمد فليفل (1902-1998) ووديع صبرا (1876-1952). ولاحظت أن "تأثير الموسيقى العسكرية بدا واضحاً على المؤلفين الأوَل" في مرحلة الحكم العثماني". وأضافت أن "الأخوين فليفل كانا في صغرهما يهويان سماع موسيقى الفرق العسكرية العثمانية التي كثرت في بيروت في تلك الحقبة، وظهر تأثير هذه العوامل على مؤلفاتهما من أناشيد وطنية وكشفية وعسكرية، وأسسا فرقة الأفراح الوطنية التي تحولت إلى موسيقى قوى الأمن الداخلي لاحقاً". وذكّرت بأن وديع صبرا "هو ملحن النشيد الوطني اللبناني ومؤسس مدرسة الموسيقى التي تحولت إلى المعهد العالي للموسيقى لاحقاً".

وصنّفت كيّالي الموسيقى اللبنانية وفق تيارات موسيقية.
وأدرجت ضمن تيار الموسيقى الفلكلورية "عصبة الخمسة"، وفيها كلٌّ من الأخوين عاصي الرحباني (1932-1986) ومنصور الرحباني (1925-2009)، وفيليمون وهبي (1918-1985) وزكي ناصيف (1916-2004) وتوفيق الباشا (1924-2005). وقارنت كيالي بين "عصبة الخمسة" اللبنانية و"مجموعة الخمسة" الروسيّة لما من تشابه بين أهداف المجموعتين ونتيجة عملهما، لجهة "التحرر من الأمر الواقع الموسيقي وخلق موسيقى خاصة لبلديهما تطورت لتصبح مدرسة في ذاتها".
وفي تيار الموسيقى الشرق عربية، أدرجت كيالي نسيم معلوف وتوفيق الباشا على سبيل المثال لا الحصر، موضحة أنها "موسيقى أوركسترالية عربية، تعتمد على الكتابة الغربية والشرقية في آن . وأشارت إلى أن توفيق سكرتولى تدوين أنغام الأغنيات والأهازيج الفلكلورية في القرى اللبنانية وتوزيعها على أصوات عدة بحسب الكتابة البوليفونية الغربية مع المحافظة على ميزة الموسيقى الشرقية وعلى نوطاتها المتحركة. وبات سكر يلقب "بارتوك لبنان" لما من تشابُهٍ بين ما فَعَلَه من ناحية تدوين الموسيقى الفولكلورية اللبنانية وتطويرها، وما فَعَلَه المؤلف الموسيقي ألعالمي بيلا بارتوك لناحية تدوين الموسيقى الفولكلورية الهنغارية وتطويرها.
أما في ما يتعلق بالموسيقى الغربية البحت، فأشارت كيّالي إلى موسيقى كريم حداد على سبيل المثال لا الحصر.
وفي تيار الموسيقى المقدسة الغربية، ذكرت كيالي اسم فيولين برنس وزاد ملتقى وناجي حكيم كأمثلة غير حصرية.
وأشارت كيالي إلى تيارات ضمن فئة الموسيقى الكنسية المارونية. فثمة تيار مُحافِظ "يرغب بالحفاظ على الموسيقى التقليدية وهي عبارة عن مقامات صغيرة مؤلفة من أربع أو خمس نوطات متتابعة". أما تيار الحداثة، فبدأ مع الأب بولس الأشقر بعد عودته من دراسة التأليف الموسيقي في إيطاليا سنة 1911. وقالت كيالي إن "الأشقر تولّى تلحين عدد من المزامير والنصوص المسيحية على طريقة الكتابة البوليفونية إنطلاقا من الأنغام التقليدية المارونية، ومن بعده لحّن عدد كبير من رهبان الرهبنة اللبنانية المارونية بالطريقة نفسها مما أدى إلى نهضة في الموسيقى الكنسية المارونية". وذكرت من هؤلاء الآباء يوسف الخوري ولويس الحاج، ويوسف طنوس وميلاد طربيه وبديع الحاج ويوحنا جحا والأب ألبير شرفان الأنطوني، والأب خليل رحمة المريمي...
كيالي ذكرت عن موسيقى ترتكز على الكتابة الغربية متأثرة برفع الموسيقى الشرقية، موضحةً أن عدداً من المؤلفين اللبنانيين من دول الغرب عُرفوا بهذا النوع من الموسيقى وحظوا بشهرة عالمية ومنهم إياد كنعان وبشارة الخوري وغبريال يارد.