ولد الأمير بشير درزياً وعاش مسلمًا وتوفي مسيحيًا.

لامارتين هو الوحيد الذي سُمح له بالدخول إلى دار الحرملك.

تزوج الأمير بشير الأميرة شمس عن مصلحة خاصة.

جاؤوا برفاته من تركيا- اسطنبول ليدفنوه إلى جانب الأميرة شمس.

حكمته "رأس الحكمة مخافة الله".

بالمساحة صغير، وبعدد السكان قليل، إلا أنه بالغنى أغنى البلدان حضارة وثقافة وإنفتاحاً وتميّزاً وتنوّعاً ، إنه لبنان الذي غنّته أبواق الأنبياء منذ عهد التوراة، فكان الجبل الذي أراد الله أن يكون ملكه، وحرسه بالأرز مقاومة وفكراً وعنفواناً وخلوداً. لبنان الذي إستعصى على الأمم كلها، بناه أبناؤه بسواعدهم وجبلوا التراب بعرقهم فعلا بنيانهم، حتى عانق الغمام. فكيف بإبن لبنان الأمير بشير الشهابي الثاني، الذي حكم جبل لبنان بالحكمة ومخافة الله، فبنى مقراً لإقامته في منطقة في قلب لبنان النابض في بيت الدين التي زينها بقصر يشهد على عبقرية الهندسة والثقافة والضيافة والكرم.

ونحن كأسرة إعلامية في موقع "الفن" أحببنا أن نتعرف أكثر على المعالم التاريخية في بلدنا ، فإتصلنا بوزير الثقافة ريمون عريجي الذي دعانا إلى زيارة قصر بيت الدين ووضع بتصرفنا الدليل السياحي مارون عضيمي الذي واكبنا خلال جولتنا في القصر وقدم لنا هذه المعلومات الغنية جداً .

قصر بيت الدين بناه الأمير بشير الشهابي الثاني ، الذي حكم جبل لبنان 51 سنة وكان عمره 19 سنة حين حكم ، بنى هذا القصر وجعله مقر الإمارة له، وتطلب بناء القصر حوالى 15 عاماً ، وأصبح اليوم عمره 212 سنين وبدأ ببنائه سنة 1804 وكان إستلم الحكم في 1789 كان في البداية في دير القمر ثم نقل الإمارة إلى بيت الدين .
القصر مكون من ثلاثة أجزاء ، أول جزء في الخارج الطابق العلوي يسمونه قسم الضيافة كان يستقبل الأمير أياً كان من عامة الشعب ثلاثة أيام ويأكلون ويشربون وينامون فيه قبل أن يسألهم عن مشاكلهم أو عن جنسيتهم أو دينهم أو من أين أتوا ، ولكن هذا الطابق مقفل حالياً لأنهم يرممونه.

وأضاف مارون: يقال إن الأمير بشير في الأصل ينتسب إلى قبيلة قريش في الجزيرة العربية، وقد جاء طفلاً إلى لبنان وعاش في دير عند "الخوارنة" بغزير وتعمد وكان موجوداً في فترة الأتراك وإضطر أن يعيش كمسلم، ويقولون إنه لم يكن يتحيز لأي طائفة .
الرواق كانت توضع فيه عربيات الخيل وهو كان عبارة عن إسطبلات وحالياً يقام فيه اليوم معرض صيفي بفضل مهرجانات بيت الدين، وساحة البحص خارجاً كانت تسمى بالميدان، وكان ينطلق منه الأمير وجنوده إلى الصيد أو الحرب وكانوا يروضون الخيول فيه ، تقام اليوم في الساحة مهرجانات بيت الدين .

والجزء الثاني يسمى الدار الوسطى موجودة فيها صالونات الاستقبال وغرف للحرس وتفصل بين دار الضيافة ودار الحرملك، والقسم الثالث من القصر يقال له دار الحرملك أي "للحريم" أي للنساء، والكلمة أصلها تركية لأن الأمير بشير حكم جبل لبنان في زمن الأتراك ، وصُنف منذ سنة 1943 المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية، وأول رئيس جمهورية جاء وقضى الصيف في القصر هو الشيخ بشارة الخوري من رجال الاستقلال في لبنان، وما زال الرؤساء يستعملون هذا القسم .

في ذلك الزمن كانوا يجعلون الناس يعملون في السخرة ، وهناك ديوان لعامة الشعب كان يستقبل فيه الأمير بشير وفوداً شعبية وكبار مشايخ ومخاتير الضيع إذا كان أحد يريد خدمة كانوا يجتمعون بالأمير في هذا الديوان، خشب الديوان من شجر الأرز من عمر القصر ، وفي كل غرفة نافورة ماء تعمل مثل المكيف فتبرد الهواء داخل القصر.
هناك قسم كان مغلقاً وأول رئيس فتحه للزوار كان ميشال سليمان، وعلى أيام الأمير بشير كان داراً للكتبة وكل ما يتعلق بالأوراق والمعاملات كان يخرج من هذه الغرفة ، وحالياً أصبح المكتب الخاص بالرئاسة .
وهناك "مشربية" على نسق بلكون لأنها خارجة قليلاً من القصر، كانت المكتب الخاص للأمير بشير وكان يقضي أغلب وقته في داخلها وكان يرى الجميع من داخلها ولا أحد يعرف أنه موجود فيها، وكان الحريم يطللن منها فيرين الناس والناس لا يرونهن لأنه من 200 سنة لم يكن مسموحاً للنساء أن يطللن بين الناس.
الأمير بشير الشهابي الثاني كان لديه ثلاثة أبناء وإبنة واحدة بنى لكل منهم قصراً على مقربة من قصر بيت الدين ، قصر الأمين لإبنه الأمير أمين وأصبح فندقاً ومطعماً "قصر المير أمين" ، وقصر الأمير قاسم كان ثكنة للجيش وحالياً هو مقفل، وقصر الأمير خليل يقع خلف قصر بيت الدين خصص لإستصدار ولمعاملات دوائر النفوس، وأعطى الأمير إبنته قصراً أصبح اليوم ديراً لليسوعيين ، وهناك البيت الريفي للأمير بشير كان يذهب إليه في عطلة نهاية الأسبوع مع الأميرة ليسترخي، ليست المسافة بعيدة لأنه كان يتواجد أكثر من ألف ومئتي شخص بين العائلة الحاكمة والجنود والضيوف، وحالياً المقر الصيفي لمطرانية صيدا ودير القمر، وهناك كنيسة سيدةالخلاص .

وتابع مارون: سمعنا كثيراً عن زيارات الشاعر والكاتب والسياسي الفرنسي لامارتين، الذي كان كثير السفر والذي سافر إلى الشرق وتعرف على القدس في فلسطين حيث يوجد مهد المسيح ومقدسات المسيحية وله في الشعر قصيدة «البحيرة» الشهيرة، حضر إلى لبنان لثلاثة أشهر فإستقبله الأمير بشير بالقسم الخاص بعائلته لأنه كان يحبه كثيراً ويثق به، وهو الضيف الوحيد الذي أدخله إلى دار الحرملك.
دار المحكمة موجود في دار الحرملك ، وهناك بيانو رائع عمره 220 سنة منذ ان اخترع البيانو للمرة الأولى أهداه إياه السلطان محمد عبد الحميد باشا للأمير بشير منذ حوالى 170 سنة، والسلطان محمد كان الوالي العثماني وكانت المعاملات لا تصبح نافذة إذا لم يكن ختم السلطان موجوداً عليها، هذا البيانو صنع ألمانيا موجود منه 12 نسخة في العالم .

في الحرملك كان بيته الخاص للأمير وحالياً بيت رئيس الجمهورية، من غرف نوم ومطابخ وغرف سفرة، وكان مزروعاً حول القصر شجر التوت وكان يربي فيها دود القز ويستخرج منها الحرير ويصدّرها إلى كل أنحاء العالم وكان مصدَر عيشه ، أثار هذا الأمر عجب الزملاء لأن الأمير كان يكسب رزقه من "عرق جبينه" وليس من خزينة الدولة كما يحصل اليوم. القصر محاط بأشجار عمرها 190 سنة، من نوع الشربين، تم زرعها على أيام الأمير كي يبعد الأنظار عن القصر .

داخل الحديقة الغرفة والقبة البيضاء يقع قبر الأميرة شمس، الأمير بشير نفي الى إسطنبول عام 1840 ، وتوفي هناك عام 1850 ودفن في كنيسة للأرمن، وعام 1974 الشيخ بشارة الخوري أتى برفاته من اسطنبول ودفنها جنب قبر الأميرة شمس ، وهناك معلومات تقول إن الأمير بشير ولد درزياً ، وعاش مسلماً سنياً ، وغيّر دينه إلى المسيحية لأن الأميرة شمس مسيحية، تزوجها لمصلحة كي تكمل معه بناء القصر ، ثم لاحقاً أحبها وأوصى بأن يدفن إلى جانبها، ويقال إنها كانت من عائلة شهاب أيضاً ، وهنا مازحت الزميلة رانية شهاب مارون فقالت إن لها حصة من القصر لأنها تنتمي إلى أمراء آل شهاب الذين إنتمى إليهم الأمير. وحتى يقال إنها كانت مسلمة وأصبحت مسيحية وكانت كل طائفة تصبح قوية يغيرون دينهم لها كي يبقوا أقوياء، ولم يكونا يتحيزان إلى أي طائفة.
في القصر حمام تركي حيث كانوا يخرجون من الغرف الساخنة ويجلسون فترة إستراحة كي يبرد جسمهم ثم يخرجون الى الهواء، كانت الأميرات يجلسن قبل الظهر والأمراء بعد الظهر يشربون الشاي والنرجيلة، والبركة مجرد ديكور وصوت الماء يهدئ لهم أعصابهم، مكان الشبابيك كان هناك خزانات كي لا يراهم أحد ، والشبابيك من فوق تدخل لهم الهواء.
القسم الثالث من الحمام كان فيه الصونا والحرارة مرتفعة جداً، وكانت هناك قساطل من الفخار تحت البلاط يمشي الماء الساخن فيها، وكان يخرج البخار من البلاط على السخونة وكان يملأون الأجران بالماء ويستحمون فيها "بكيلة النحاس" وإلى جانب كل جرن موجود بنك خشب يلفون أنفسهم بالشرشف ويصبون على أنفسهم الماء بالـ"كيلة"، وفي الوقت نفسه الزجاج في السقف إيطالي يدخل حرارة الشمس ويعطي أشكالاً وألواناً جميلة على الأرض والجدران وفق دورة الشمس، الحنفيات كانت مطلية بالذهب وكان ينزل منها الماء الساخن والماء البارد، أما الأمير فقد كان قصير القامة طوله حوالى 156 سنتم لذلك صمموا له حماماً خاصاً ليستحم به.

في صالة على مقربة من الحمام ، هناك فتحة في السقف يدخل منها النور على شكل صليب ، ما لم نعرفه إن كان الأمير بشير تقصّد وجود هذه العلامة المسيحية ولم يستطع أن يجاهر بها ، أو أن المهندس صممها على هذا الشكل من دون أي بعد ديني .

الباب الصغير في دار الحرملك داخل الباب الكبير، كان إذا أراد أحد من الحرس أو ضيف من عامة الشباب أن يدخل كان مجبراً أن ينحني وإذا كان الضيف مهماً يفتح الباب الكبير .
صالون الأمراء أجمل صالون في القصر تطلب العمل فيه أربع سنين وكان ضخماً ليستقبل فيه الأمراء والملوك ليوحي لهم بقوته ، السقف خشب أرز ومطعّم بقشرة ذهب عمره 200 سنة من عمر القصر ، وقد أعجب الزملاء بهذا الصالون وإعتبرت هلا المر أن ما لفتها كثيراً في القصر هو السقف المطلي بالذهب والآخر المسقوف بخشب الأرز المنحوت .

الثريا هي هدية من نابوليون للأمير بشير أهداه إياها من 180 سنة لكن عمرها 300 سنة "كريستال مورال" كانت تضيء على الزيت والفتيل ثم تحولت لاحقاً إلى الكهرباء، الحجر لبناني منحوت ومشغول على اليد من قبل شباب ضهور الشوير، الرخام إيطالي ويدخل فيه ماء الذهب، الكتاب الموجودون كتبوا أبيات شعر موجودة على الجدران ، أهدوها للأمير بشير منها :"يفي الإله جزاء من بالعدل يرعى عباده فساعة العدل خير من ألف شهر عبادة" وفوق الباب مكتوب :"رأس الحكمة مخافة الله" من الكتاب المقدس العهد القديم .

اللوحات أحضرت على أيام وليد جنبلاط ووضعت في قصر بيت الدين عمرها حوالى 1700 سنة.

ما زال يجتمع مجلس الوزراء في إحدى القاعات في قصر بيت الدين، وكان يتميز المكان باللون البنفسجي ، الفرش مجدد والمساند ما زالت منذ أيام الأمراء من الحرير ومطرزة بخيوط الذهب، الرخام إيطالي وعلى شكل السجادة ، والماء له منفعتان أنه يعطي برودة في المجلس ، والمنفعة الثانية والأهم في الداخل الغرفة السرية التي كان يجتمع فيها الأمير بأي شخص ولا يريد أن يسمعه أحد فيقوي صوت المياه .

الأميرة شمس زوجة الأمير كانت آية من الجمال ومعها الكثير من المال وكانت تضع عيوناً من ذهب على بطنها لتبعد أعين الحاسدين ، كانت أقصر من الأمير بشير ، كان طولها 152 سم.

هناك سمكة مثل القمقم حين كانت تضطر الأميرة شمس أن توصل رسائل إلى أحدهم كانت تضعها في القمقم وتوصلها إلى حيث تريد ، وكان ممنوعاً أن يوقفها أي حاجز لأن مرتبتها كانت الأعلى في البلد .

إشارة الى أنه تحيط بالقصر حدائق رائعة الجمال ، كما أنه يضم مجموعة من الفسيفساء من العصر البيزنطي إكتشفت في ضواحي مدينة صيدا وتم إحضارها إلى الطبقة السفلى من القصر لحمايتها خلال الحرب اللبنانية ، وأصبحت اليوم متحفاً لهذه المجموعة من الفسيفساء .

وبعد هذه الجولة قال الزميل إدي حطاب إن هذا المكان بالفعل يحوي ذاكرة تاريخية يجب أن يزوره كل لبناني وعربي وأجنبي ، فعند كل زيارة تكتشف أموراً جديدة لم تكن قد تنبّهت إليها سابقاً.

تعليقات سريعة:

- إهتمام وزارة الثقافة بفريقنا الإعلامي كان أكثر من رائع .

- قيمة تعرفة الدخول مقبولة جداً .

- المرشدون السياحيون يملكون المعلومات الكافية عن القصر ، وينقلونها بكل دقة ورحابة لكل الزوار .

- في طريق العودة من بيت الدين ، هناك أماكن سياحية جميلة جداً ، سنزورها لاحقاً ونعرفكم عليها .

لمشاهدة ألبوم الصور كاملاً إضغطهنا.