إن تصنيف الفنانين في هذه الأيام يعتمد إما على مزاج مخرج تلفزيوني يحتكرُ برامج محطةٍ ما، بمديرها وموظفيها ، بـ"الرايتينغ" المبيّض مع أموالها وسفارات تمويلها، أو على طلاء يمتهنهُ إعلاميٌّ من هنا وصحافي دخيل من هناك، قادم من عالم "نوادي المعجبين" وما أدراك ما النوادي وخباياها.

لم تعتمد الصحافة الفنية على معايير علميّة لتصنيف الفنانين وتدريجهم وفق عادات وتقاليد الصفوف ، إن هذه المسألة خطرت في تفكيري عند مشاهدتي للفنان أمير يزبك، الذي شارك في برنامج "حرب النجوم" على شاشة "الجديد"، البرنامج الذي كسر رتابة الأفكار وسكونيّة المضامين التلفزيونية، وأوجد هوية فنية جديدة للترفيه الإعلامي. دققت جيداً في إمتهانه للمايكروفون، لطريقة التعبير بالجسد والوجه قبل الصوت، راقبت الحاسة الأهم عند الفنان ألا وهي حاسة السمع، فأمير يزبك وبتحديه للفنانة المصرية أمينة، كان يستمع بإصغاء دقيق قبل أن يغني، على عكس فنانين آخرين الذين لا تحملهم أعصابهم ويسرعون بإستعراض عضلات الصوت ، فيتركز تفكيرهم على الإنتقام الصوتي من الفنان المواجه لهم الأمر الذي يشتّت قدراتهم العقلية قبل السمعيّة في تقديم الأفضل للمستمع.

أمير ومن دون المبالغة أعجمياً بالكلام المنمّق، يدرك جيداً أصول الحلبة، ولا أقصد هنا حلبة البرنامج بفكرته، بل حلبة الغناء والفن، فهو مقاتل غنائي شرس، يضبط الإيقاعات الصوتيّة بحرفيّة تامة، متمكّن من سياسة مستويات الصوت، لا يرفع من حدّية صوته إلا في الأوقات الضروريّة، كما يتفاعل مع مضمون الأغنية بتعابير جسدية متناغمة مع المادة الموسيقيّة.

كل من شاهده في تلك الحلقة، شعر كأن أمير يزبك يُدير لعبة الغناء بحنكة شديدة، إبتسامته تحصيل حاصل لا مجاملة فيها ولا واجب، بل صدق في الفرح الذي ينتابه في لحظة السلطنة، صوته يصل إلى الروح قبل الأذن من دون تقطعات النشاز، ينتقل من لحن إلى آخر بسلاسة من دون أن يقطع لنا حبل التركيز والإستسلام لقوة المغنى.

أمير كان أميراً بفعل ملوكية الفن وفخامة الأداء، الأمر الذي إستفزني لكي أعود شهوراً قليلة إلى الوراء وأحصي عدد النجاحات التي أحياها في مهرجانات وحفلات الصيف من عاليه إلى البلازا بالاس و "أديب بالاس" فـ"كفرنبرخ" حيث أنجبت السيدة ليلى ملاك مولودها خلال حفل أمير هناك وأسمته على إسمه لكثرة محبتها له ، والكثير غيرها من الحفلات والمهرجانات .

اللافت في أمير أنه "شعبي" وليس "شعبوي" ، أي أن الناس يحبونه بإختلاطهم طبقياً ومناطقياً وثقافياً، وليس شعبوياً أي أنه لم يتقصّد ولا في أي لحظة أن يخاطب جمهوره بدماغوجيّة الفن ، أيّ بأغانٍ "شو ما كان" تعتمد فقط على الموسيقى السريعة المحفزة للرقص من دون أيّ مضمونٍ فنّي. مهرجاناته دائماً مكتملة العدد، واللافت فيها تفاوت الناس من ناحية العمر والخلفيّة الإجتماعية ، هذا ما يجعل منه فناناً لكل الناس وليس فناناً على الناس.

إن تصنيف الفنان بين درجة أولى وثانية وعاشرة، يجب أن يعتمد على معيار الشعبية وليس الشعبويّة، أيّ ليس المهم أن تنتشر أغانيه على الراديوات والتجمعات الشعبيّة، لأن الناس يتجمّعون عند أيّ نقطة تجمّع موسيقيّة حتى لو كانت "كورية" المصدر كأغنية "غانغام ستايل". المهم هو أن ينتشر الفنان في فكر الناس وحواسهم، في ذاكرتهم ووجدانهم ، وهذا ما نجح فيه أمير يزبك فصنفه الناس ولم يصنفه مخرج من حيتان المال والإحتكار، ولم يصنفه صحافي من جائعي الطعام والشهرة، وإنما الناس هم الذين صنّفوه فناناً بدرجة نجاح.