بيروت التي اغتصبها أبناؤها، فدمّروا آخر ما تبقى فيها من حضارة وفكر وثقافة، دمّروا الإنسان، الإنسان المبدع والخلاّق قبل تدمير الحجر، انتفضت وتمرّدت على الظّلم الذي لحق بها كما طائر الفينيق الذي يقوم بعد موته فيبعث من رماده قوياً جبّاراً ثائرًا ومتحدّياً الصّعاب.

بيروت المدينة، بيروت الحمرا، بيروت الحضارة والثقافة والفنّ والعلوم، لها مسرحها الذي تخبّئ بين جدرانه أسرار الزّمان وذكريات المكان، إنه مسرح المدينة الذي اسسته واحدة من اللواتي يشبهن بيروت، يشبهن إبداعها وقوّتها وثورتها وفنّها، هي نضال الأشقر التي ناضلت من أجل أن يبقى بيت الفنّ مفتوحًا لأهله وأصدقائه. عشرون عامًا من النّضال تستحقّ الإحتفال. وكيف لا، ومسرح المدينة شهد على تقدّم الفنّ والإنسان، شهد على النّهضة المسرحيّة والأدبيّة والسينمائيّة والموسيقيّة.

ولمناسبة مرور عشرين عاماً على تأسيسه واستمراريّته بعزمٍ واندفاع وإصرار، أصرّت سيّدة هذا المسرح على أن تمرّ هذه المناسبة باحتفالية تمتدّ من 14 تشرين الأوّل حتّى 26 منه. إحتفاليّة يحتفل الفنّ فيها بالفنّ ويحتفل الإنسان بدوام إبداعه وعبقريّته.
ويوم الإثنين 24 تشرين الأوّل كنا على موعد مع المسرح والسينما في مسرح المدينة، في نشاطين الأوّل لمجموعة كهربا والثاني للممثلة والمخرجة زينة دكاش.
عند الثامنة والنّصف مساءً فتح المسرح أبوابه لاستقبالنا جمهوراً وإعلاميين، لنشاهد مسرحيّة "أصل الحكاية" إخراج أوريليان الزوقي وإيغيك دونيو وصوت إيمانويل الزوقي، المسرحيّة التي تشكّل الحكاية الأولى للزمان والمكان والإنسان، حكايتها التي تشكّلت من الطين، فبعث الممثلان الحياة في هذا الطين كما بعث الله الحياة في الإنسان، في عرض جمع بين النّحت الحيّ والرسم والحركة والموسيقى. 45 دقيقة من الإبداع المباشر الذي ينقلك إلى عوالم أخرى، ويشغّل خيالك ويفتح أمامك تساؤلات عديدة. 45 دقيقة تختصر الإنسان والفنّ والحيوان في الأصل في أصل حكاية الزّمان.

وعلى هامش العرض كان لنا لقاء مع أورليان الزوقي مخرج العمل:
أورليان الزوقي: أصل الحكاية هو عرض ابتكرناه لنجول فيه على المناطق نحن مجموعة كهربا. كي نتوّجه نحن نحو الجمهور الذي لا يستطيع أن يشاهد العرض في مكان معيّن. والديكور بسيط نستطيع حمله ونقله بسهولة. وقد أحببنا استخدام الطين الذي يرمز إلى نقطة البداية حتى الرسم كان من خلال الطين . كما أن الدمى ننحتها من خلال الطين. فعدنا به إلى الأصول ولنخلق الاشكال معه. كما استخدمنا les fables de la fontaine الذي اخذها عن غيره فقصدنا أن نعود إلى أصل الحكاية خصوصاً أن عالمنا بات مغلقاً فأردنا أن نعيد التواصل والإنفتاح. ونحن في هذا العرض نقترح تجربة للمشاهد، كي يعيد استخدام خياله مجدداً ويكمل القصّة خصوصاً أن الناس لم يعودوا يستخدمون خيالهم والإحلام. أما الموسيقى فهي مختارة من قبل إيمانويل الزوقي الذي سجّلها بطريقة حيّة فسافر إلى عدة مناطق من العالم وهنا رسالة كي نفتح الحدود. ونحن نشكر مسرح المدينة ونضال الأشقر وكنا نتمنى عرض المسرحية على هذا المسرح.

أما النشاط الثاني فكان عرض فيلم "جوهر في مهب الريح" لـ زينة دكاش وهو عبارة عن مسرحية يؤديها السجناء في روميه ومنهم من يعانون من أمراض نفسية. وهو عمل يهدف إلى تحسين الوضع النفسي والقانوني للسجناء ذوي الأمراض النفسية والسجناء المحكومين بالمؤبّد. الفيلم ينقل قصص السجناء التي جسدوها على المسرح من خلال مونولوجات ومشاهد قصيرة. نعم فيلم "جوهر في مهب الريح" للمبدعة زينة دكاش والمعالجة بالدراما أدخلنا إلى حياة السجناء إلى معاناتهم وأمراضهم، في حوارات مؤثّرة وإنسانيّة ومبدعة.


وكان لنا حديث مع زينة للتكلّم على الفيلم:

زينة دكاش: هذا الفيلم هو مسرحية مصوّرة "جوهر في مهب الريح" وقد عرضت ست مرات في السجن فقط لظروف السجن الخاصة في ايار 2016 وقد تصوّرت داخل السجن بطريقة محترفة كما صورنا المسرحيات الأخرى. وهذا العرض الأول لها خارج أسوار السجن. كما سيكون معنا سجينان ليخبرانا عن تجربتهما. وقد قمنا بتصوير المسرحية لتصل إلى أكبر عدد من الناس. ونحن من خلال هذه التجربة مع السجناء قدّمنا مشروعي قانون للبرلمان اللبناني الأول لحماية المريض النفسي مرتكب الجرائم خصوصاً أن القانون اليوم لا يحميه الذي كتب عام 1943 وينص على أن هذا المريض النفسي لا يخرج من السجن إلا بعد شفائه في حين أن المرض النفسي ليس له علاج وشفاء وقد رأيت مسجونين لمدة 35 عاماً ويجب أن يخرجوا. وهذه المسرحية يمثل فيها ناس مرضى نفسيون يريدون أن يصل صوتهم إلى النواب. وبالفعل مشروعا القانون على الطاولة للبحث فيه في مجلس النواب. وسيتمّ عرض الفيلم في أكثر من مكان ليتسنّى للجميع مشاهدتها. أما نضال الأشقر فقد شاهدت المسرحية في السجن ودعتني إلى أن أعرضها مصورة ضمن هذه الإحتفاليّة وهذا فخر لي.


السجين السابق سليم: في البداية كانت زينة تدعو الجميع لأن يشارك ولم تجبر أحداً على ذلك وأنا قبلت المشاركة وبدأنا بالعلاج بالدراما. وبعد ذلك بعض المساجين اختاروا ألا يتابعوا وأنا من الذين تابعت مشاركتي. وأنا شاركت من أجل المساجين المحكوم عليهم بالمؤبد والمساجين المرضى الذين لن يشفوا فتمتدّ عقوبتهم إلى ما لا نهاية. فكانت التجربة رائعة، وقد صنعنا أشكالاً بالشمع. وهذه التجربة تغيّر لك تفكيرك ونفسيّتك وتنشّط لنا عقلنا. أشكر زينة دكاش كثيراً وقد سجنت لمدة عامين ومن خلالها عملت في مصنع الشمع فلم أشعر بأني مسجون عسى أن يتغيّر الحكم بحق المسجونين المرضى.