بين الموهبة والإبداع علاقة أزلية تبدأ بالسليقة وتنتهي بالصقل.

.. وبين موهبة عمار شلق وإبداعه نعمة ربّانية أينعت معه منذ نعومة أظفاره وأمتع بها جمهوره بعدما طوّرها بالعلم وتوّجها بالخبرة.

عمار شلق، الممثل اللبناني ذو الفرادة الخاصة، إلتقى للمرة الأولى على المسرح زميلته رلى حمادة في "حبيبي مش قاسمين" وهو عمل يحمل الكثير من الرسائل الإجتماعية التي تعكس حياتنا اليومية بصراعاتها وانكساراتها وتحدياتها وأسرارها وبأسلوب كوميدي-تراجيدي رائع- فشكلا ثنائياً مختلفاً ينضح بالشفافية والواقعية ويثير الانبهار بروعة الأداء والإيماء وحركات الجسد المتقنة حتى يخيّل للحاضرين ببساطة أنهما... لا يمثلان!

موقع "الفن"، إلتقى الممثل المبدع عمار شلق في حديث خاص حول هذه التجربة الخاصة، ولقائه العملي الأول مع رلى حمادة نصاً وتمثيلاً، إلى جانب تحضيراته الجديدة.

خلال العرض الافتتاحي الخاص لاحظنا مدى المحبة التي عبّر لك عنها الحاضرون. هل هناك ما هو أثمن من محبة الناس للفنان؟
لا شيء أبداً... لا يوجد أثمن من هذه المحبة بخاصة إذا ما كانت صادقة، وبهذه الطريقة يعبّرون لنا أن عملنا وصل إلى قلوبهم بصدق لأن الناس لا يحبّذون الكاذبين، ربما (ينفحطون) بهم قليلاً لكنهم لا يحبونهم بصدق. يبدو أنهم يحبوننا بصدق لأننا نعمل بصدق.

من يتابع مسرحية "حبيبي مش قاسمين" يشعر كأنه يعيش التجربة معكما فأداؤكما يعكس واقعية مفرطة وبدرجة كبيرة من التميّز. هل هذا هو الصدق في الأداء الذي تتحدث عنه؟
هذه شهادة أعتزّ بها... المسرحية تطرح بشكل عام القضايا العالقة بين أي ثنائي، الرجل الذي يخطئ بحق زوجته فتلجأ الأخيرة إلى الصمت، وفي المقابل ترتكب الخطأ بحقه فيعمد إلى الصمت فتمرّ السنوات وتتراكم الآلام إلى أن يحدث الانفجار بينهما نتيجة عامل خارجي. من أبرز رسائل هذا العمل المسرحي هي الدعوة إلى المصارحة، إذ من الضروري لأي زوجين مصارحة بعضهما البعض لأن المشاكل تبدأ صغيرة لكنّ التغاضي عنها وتركها من دون حلول يؤدي إلى تراكمات لا تحمد عقباها.

هل من الممكن أن تؤثر هذه المسرحية على حياتك الشخصية أو حياة المتابعين أيضاً بمعنى ضرورة اعتماد الصراحة وتفادي المشاكل الزوجية المتراكمة؟
بالنسبة إليّ لا يتوقف الأمر على حياتي الشخصية وعلاقتي بزوجتي وحسب، بل ينسحب على حياتي بأكملها، فأنا لا أترك بداخلي ما يزعجني بل أعبّر بصراحة وتلقائية عما يزعجني. لا يوجد في الحياة ما يستحق إزعاج أنفسنا وحمل الضغينة لأجله، وعلينا دوماً أن نقول ما لنا وما علينا. أما بالنسبة إلى الآخرين، فأعتقد أن النتيجة نفسها ستحدث لدى المتصالحين مع أنفسهم، وبالتالي ستقنعهم بضرورة فتح قلوبهم وعدم الخوف من التحدث عن كل ما يزعجهم.

لكن ثمة أموراً من الصعب أن تقال...
بالعكس... لا يوجد ما لا يمكن قوله وإنما علينا استخدام الأسلوب الصحيح في التحدث واختيار الوقت الملائم أيضاً. إن انتظار الوقت المناسب وإيجاد الطريقة السليمة في الحوار هما الوسيلة الفضلى للبوح والمصارحة.

برأيك، إسقاط موضوع اللاجئين السوريين في لبنان حلّ في المكان الصحيح ضمن المسرحية؟
طبعاً، لأن المسرحية تتضمّن مجموعة من الرسائل وتطرحها بطريقة ذكية، ومن ضمنها العلاقة الشائكة وغير المفهومة بين لبنان وسوريا منذ سنوات طويلة. لا شك بأن الجيل الجديد من اللبنانيين يتعامل مع مفهوم تواجد اللاجئين السوريين بطريقة مختلفة عما يراه أبناء جيلنا والأجيال السابقة. فترة تواجد الجيش السوري في لبنان لا تزال تعني للكثيرين، وفي الوقت الذي تمكّن البعض من نسيان تلك المرحلة لا يزال البعض الآخر يعاني من تبعاتها. الأمر لا يتعلّق فقط بموضوع اللاجئين والجيش السوري وإنما بعلاقة سوريا ولبنان الشائكة والتي يراها البعض واضحة المعالم لكنها في الحقيقة مبهمة وغير مفهومة أو العكس... ببساطة، من يتابع المسرحية لأجل التسلية سيجد الضحك بانتظاره، ومن يريد التفكير سيتمكن من الضحك والتفكير معاً، ومن يبحث عن الفلسفة سيكون بإمكانه الضحك والتفكير والتفلسف. بدورنا، ومن خلال هذه المسرحية، نحاول عبر أدائنا البسيط نقل جميع هذه الرسائل.

كيف وجدت رلى حمادة ككاتبة؟ وهل خطت برأيك خطوتها الأولى على طريق الكتابة المسرحية بشكل سليم؟
طالما أصابتك وجعلتك تصرّحين عن شعورك بمدى واقعية المسرحية فهذا يعني أن خطوتها الأولى كانت صحيحة إلى درجة كبيرة.

ألم تشعر بالقلق عندما علمت أن هذا العمل هو باكورة نصوصها المسرحية؟
أبداً بل على العكس من ذلك تماماً... لقد شاركت في أعمال تلفزيونية كثيرة وكذلك بالنسبة إلى رلى لكن للأسف لم يجمعنا أي عمل في السابق، وعندما اتصلت بي لم أتردد بالموافقة أبداً لكني طلبت منها قراءة النص لأن هذا الأمر طبيعي وضروري، وأكدت لها أنني متشوّق للعمل معها بكل الأحوال وبالأخص على المسرح. لم تقلقني طروحات المسرحية أولاً لأنها واقعية ولأننا من خلالها لا نعمد إلى الافتراء على أي أحد... ألا يوجد بيننا من لديه مشكلة مع موضوع اللاجئين وفي المقابل هناك من يتفهم وضعهم؟ أليس ثمة من عانى من تواجد الجيش السوري في لبنان بينما حرص آخرون على تأمين أمورهم معه؟ لقد طرحنا الأمور كما هي، مع نظرة إلى الوراء بما تتضمّن من أحداث وأخرى حالية تحاكي زمننا.

لفتنا أن ثمة مشاهد في المسرحية تجمع أحياناً ما بين الكوميديا والتراجيديا والدراما معاً. كيف تمكنتم من استخدام أدواتكم التمثيلية المختلفة في هذا الوقت الضيّق؟
هنا لا بد من توجيه الشكر للمخرج موريس معلوف على مجهوده الكبير... عندما كتبت رلى النص أرادت من خلاله شيئاً، وعندما قرأته رأيت أمراً آخر، لكن بعدما تولى موريس معلوف مهمة الإخراج وإدارة الممثلين نقلنا إلى أماكن مختلفة كلياً. هذا الخليط ما بين كتابة رلى وإخراج موريس وإدارة الممثلين الصحيحة أنتجت هذا العمل وخرجت بهذه النتيجة، ناهيكم عن وجود "البرعم" مصطفى حجازي الذي أضاف إلى المسرحية نكهة خاصة، فهو لبناني ويتحدث بلجهة سورية متقنة ويواجه الجمهور للمرة الأولى بكل اقتدار وأقول له: برافو. باختصار، تجمع المسرحية بين جيلين لا يعمد أحدهما إلى "طحن" الآخر بل على العكس نال الجميع إخراجياً ما يستحقه، ومن ناحية الأداء (الكل كان محلّق).

بعيداً من المسرحية، ماذا عن تحضيراتك الجديدة؟
قريباً سنبدأ تصوير مسلسل جديد يحمل عنوان "صمت الحب" وهو من كتابة وإخراج ليليان بستاني، كما أقوم حالياً بقراءة أكثر من عمل بالإضافة إلى فيلم سينمائي ولكني أفضّل عدم التحدث عن التفاصيل الآن. ويضيف ضاحكاً: (تعلّمت).

أتخاف من "صيبة العين"؟
لا يتعلّق الأمر بـ"صيبة العين" وإنما "إستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" أفضل .