في شهر شباط/فبراير الماضي غلّ الحزن في زوايا المسرح حزيناً على رحيل مخرجه وممثله صاحب الأرشيف الماسي برج فازليان .


وترك فازليان وراءه إرثاً كبيراً من الاعمال المسرحية الخالدة يصل عددها إلى أكثر من مئة مسرحية على مدى 45 عاماً بينها أبو علي الأسمراني، بيام الخواتم 1963، وحلم ليلة صيف لشكسبير..
برج الذي يشكل ليس فقط للبنان بل للعالم كنزاً فنياً ثميناً حيث أنه قدم مسرحيات بالعربي والفرنسي والأرمني، كما أن مسيرته الفنية لم تقتصر على المسرح بل على الافلام االسينمائية أيضاً بينها "سفر برلك" و"بياع الخواتم" وأعمال تلفزيونية بينها مسلسل "المشوار الطويل".
ولا يمكن لبضع كلمات أن تختصر سنوات تعادل في مضمونها آلاف وآلاف السنين .
وتكريماً لمسيرة الراحل نظّمت جمعية أنترانيك الثقافية في مقرها في النقاش احتفالاً تكريميّاً للراحل برج فازليان، الذي أسس فرقة المسرح الأرمني "فاهرام بابازيان" التابعة لها في نهاية خمسينيات القرن العشرين.

قدم الحفل المخرج جيرار أفيديسيان الذي ذكر أن "كبير المخرجين والممثّل "برج فازليان" تعامل على مدى السنين"مع عدد كبير من الفرق المسرحيّة اللبنانيّة، وأخرج على مدى 16 سنة مسرحيّات الأخوين رحباني في بيروت كما في مهرجانات بعلبك الدوليّة. ومثّل في عدد كبير من الأفلام من إخراج يوسف شاهين، وهنري بركات، وأنطوان ريمي ونيازي مصطفى. كما مثّل في فيلم Next of Kin في كندا من إخراج أتوم أغويان". وأشار إلى "مئة مسرحيّة من إخراج برج فازليان باللغات الأرمنيّة والعربيّة والفرنسيّة والتركيّة"،ملاحظاًً أنه"ترك بصمة كبيرة" عندما أخرج مسرحيّة عصام محفوظ "الزنزلخت". وإذ لفت إلى أنه درّس في الجامعة اللبنانيّة واليسوعيّة والكفاءات، أبرز أنه كان من مؤسّسي فرقة المسرح الأرمني "فاهرام بابازيان" وقد أخرج معها 19 مسرحيّة بين العامين1959و 1971. وذكّر افيديسيان بأن فازليان حصل سنة 2000 على ميداليّة "القديس ماشدوتس" من البطريركيّة الأرمنيّة، وفي عام 2006 حصل على شهادة تكريم من "الجمعيّة الخيريّة الأرمنيّة" ومن ثمّ حصل على ميداليّة القديسين ساهاك ومسروب..

وشهد الحفل كلمات لكل من صديق الراحل هاغوب فارتيراريان والموسيقار الياس الرحباني والكاتب ألكسندر نجّار والممثل رفعت طربيه والمايسترو هاروت فازليان.
هاغوب فارتيراريان الذي كان صديق فازليان روى كيف غادر فازليان اسطنبول عام 1951 واستقرّ في بيروت "حيث كان المجتمع الأرمني محترماً من قبل كل اللبنانيّين على غرار ما هي الحال اليوم". وأبرز أهمية إنشاء فرقة المسرح الأرمني "فاهرام بابازيان" مشيراً إلى أن "الفرقة الجديدة حملت حياة جديدة ونوعيّة إلى المجتمع الأرمني اللبناني عبر تقديمها أعمالاً للأرمن الشرقيّين والغربيّين ومسرحيّات غير أرمنية".

أما الموسيقار الياس الرحباني ، فاستذكر "صحوة المسرح والسينما الرائعة في لبنان في الستينات والسبعينات"، مشيراً إلى أن فازليان "كان من روّادها" كمخرج وممثل ومستشار فني. وروى أن عاصي ومنصور الرحباني وبرج فازليان كانوا "أطيب الأصدقاء، وكان برج في المسرح الرحباني مرّة مستشاراً في المسرحيّات ومرّة ممثلاً رائعاً في الأفلام". وأشار إلى أن فازليان كان مستشاراً في مسرحيّة "المحطّة"، وأدّى دوراً مهماً في فيلم "سفر برلك" وأيضاً في مسرحيّة "بيّاع الخواتم". وقال: "كانت صداقة برج والعائلة الرحبانيّة صداقة أهل ومحبّة".

الكاتب ألكسندر نجّار الذي أخرج فازليان مسرحيته "الضفدع" Le crapaud، قال إننا لا نبالغ إذا اعتبرنا أنّ برج فازليان بطريرك المسرح اللبناني، فهو الذي وصف المسرح بأنه رهبنة تتطلب أن يكرّس المرء نفسه لها كلياً من دون شروط، وأنْ يبجّله بإيمان لا يهتزّ.
كما قال : "كان من دون أدنى شك أحد المخرجين النادرين الذين أخرجوا مسرحيّات بخمس لغّات: الأرمنيّة والعربيّة والفرنسيّة والتركيّة والإنكليزيّة".
وذكّر بأن فازليان يملك مؤهلات جعلته قادراً على تولّي "الأدوار الأكثر صعوبة"، مشيراً إلى أنه شارك في أفلام محليّة عدّة، كـ"بنت الحارس"و"سفر برلك"، وفي أفلام غربيّة منها Next of Kin للمخرج أتوم إيغويان. وأضاف: "فازليان الذي كان يتقن إدارة الممثّلين، درّس أيضاً في الجامعة عشرات الشباب الممثّلين الذين لم ينسوا دروسه القيّمة وحرصه على الكماليّة".
وتابع: "في مسرحيّة Le Crapaud إلى أيّ حدٍ كان برج محترفاً كبيراً، على السواء صارماً عندما يتطلّب الأمر ذلك وتقريباً أباً لكل الفرقة. كان يحب كثيراً التعاون مع العائلة زوجته سيرو نفّذت تصاميم الملابس وابنه هاروت الموسيقى وكنا جميعاً فخورين وسعداء لهذا التعاون، وما حصل كان فعلاً أحد أهم ذكرياتي ككاتب وأعتقد أنّ الفضل في تعلّقي بالمسرح يعود إلى برج، ولهذا السبب سيكون لي في كانون الثاني المقبل عمل مسرحي ثان سأهديه له".

الممثل رفعت طربيه قال: "جاء فازليان من المسرح الأرمني إلى المسرح العربي وقامت القيامة، وكانت التهمة أنه يتولى إخراج مسرحيات بالعربية مع أنه لا يتقنها". وأضاف: "كان برج يعرف خمس لغات. طبعاً كان يتقن لغات أكثر من غيرها، فاللغتان التركيّة والأرمنيّة عنده أفضل من الفرنسيّة والإنكليزيّة والعربيّة، لكن الأهم أن برج كان يعرف لغة سادسة أفضل منها كلّها وهي لغة المسرح".
وروى طربيه تجربته الأولى مع فازليان في مسرحية "جبران خليل جبران" (1996)، ثم في "حلم ليلة صيف" لشكسبير.
ووصف طربيه فازليان بأنه "كان إنساناً رائعاً كزميل وصديق وكأستاذ في المسرح". وأضاف: "يقولون إنني تعلّمت المسرح قبل أنْ أتعرّف على برج بسنين، لكني مصرّ على أنّ أحد أساتذتي الكبار كممثّل هو برج فازليان".
ولاحظ طربيه أن "خمسة مسرحيين كبار رحلوا في السنتين الماضيتين وهم يعقوب الشدراوي وفاروجيان هاديشيان وبرج فازليان وريمون جبارة ومنير أبو دبس"، وقال:"المؤسف والمفجع أننا لا نجد أحداً يمكن أن يحل مكانهم". وتابع: "المؤسف أكثر أنّ بيرج الذي نفّذ فخر الدين مع الرحابنة، علماً أن فخر الدين والرحابنة من الأمور القليلة التي لا نختلف عليها في لبنان، وبرج الذي تمثّلت الدولة اللبنانيّة بأعلى مراتبه افي مراسم دفنه، مات ولا تزال هويّته لغاية اليوم قيد الدرس".

نجل الراحل قائد الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية المايسترو هاروت فازليان قال :"تعلّمت من والدي أنّه لا يمكن أن تكون فنّاناً بدوام جزئي. فإمّا أن تكون فنّاناً أو لا تكون. وقد كان والدي فنّاناًً بدوام كامل". وأضاف: "تعلّمت منه الانضباط تجاه الفن والتضحّية من أجل الفن". وأشار إلى أن والده "كان متعدّد الموهبة، إذ كان مخرجاً رائعاً وممثّلاً رائعاً وكذلك كان رسّاماً".
وختاماً كانت كلمة مقتضبة من حفيد الراحل الذي يحمل اسمه.

وفي كلمات خاصة لنا:

قال الممثل رفعت طربيه لموقعنا إن في كل مرة نكرم فناناً مثل برج فازليان نكون فعلياً نكرم نفسنا، ولا نقوم بأي أمر يضيف إلى برج.
وتابع :"برج هو من المسرحيين الأرمن اللبنانيين الذي أعطى كثيراً للخشبة اللبنانية، سواء باللغة الأرمنية أو العربية وهو أول مخرج أرمني تعاطى مع المسرح العربي، وأعطى زخماً كبيراً للمسرح اللبناني .
وأصاف:"علاقتي المهنية ببرج بدأت بعد الحرب حين ذهب إلى كندا وعاد إلى لبنان، ليقدم مسرحية جبران وحينها قمت بدور جبران، لكن قبل أن أتعاون معه كان إسمه مذكوراً بين المسرحيين بطريقة ايجابية، وأذكر عدة لقاءات لريمون جبارة حين كان يقول إن برج هو أستاذه الأساسي في المسرح".


طربيه الذي يدرس المسرح في جامعة الكفاءات رد حين سألناه عن نظرته للاجيال المستقبلية في المسرح :"مع الأسف كبارنا يغيبون ولا يوجد خليفة لهم، لا أرى أن الوضع المسرحي أفضل بكثير، من الأوضاع الثانية في لبنان ".
ولا يرى طربيه بصيص أمل في المجال حيث أنه لم ير بعد رحيل الكثير من المسرحيين الكبار مؤخراً أي أحد يحل مكانهم بشكل قوي وجدي.
وختم :"انا خائف جداً على الوضع المسرحي في لبنان "، ونصح طربيه المهرجانات بأن تعنى بخلق مدارس مسرحية تتمكن من تخريج جيل يتمكن أن يحمل لواء المسرح في لبنان .

أما المخرج جيرار أفيديسيان فقال لموقعنا إن برج كبير المخرجين في لبنان على الصعيد الفني، ويرى أن التكريم هو في الوقت المناسب لنستذكر ما قدمه الراحل على مدى سنوات طويلة في مختلف المسارح والأعمال السينمائية وغيرها.
وأكد برج ضرورة أن نستذكر كبارنا سواء بالنسبة لعائلتهم او جمهورهم ، رغم ان برج حصد الكثير من التكريمات في حياته .
ويرى برج أن وضع المسرح في لبنان جميل جداً حيث أن الشباب يتناولون مواضيع جدية ومختلفة، ويعملون مع المسرح المعاصر العالمي، إذاً هم ليسوا مثل السبعينات حين كانت الاعمال عن التحرير وفلسطين وغيرها .
ويرى أن منهم من يعمل على مستوى عالمي، وهؤلاء الشباب يضحون كثيراً من أجل هذه الأعمال حيث أن المسرح لا يجلب الكثير من المال .


وذكر أن عرض أسرار الست بديعة 85 مرة على مدى 7 أشهر، وكان الإقبال كثيفاً ، منذ اليوم الأول ولم يكن هناك عرض إلا وأماكنه محجوزة بالكامل .
ومن ناحية الرسم يحضر جيرارد لمعرض لشهر آذار/مارس القادم حيث أنه يرى أنه لا يجب أن يقوم كل عام بمعرض حيث ان الناس يجب أن تشتاق .
والموسيقار الياس الرحباني قال إن الحدث هو تكريم من القلب لبرج، وذكر أنه عاش مع برج سنوات حيث أنه كان يتعاون مع عاصي ومنصور الرحباني .
ويرى الرحباني أنه من الصعب أن تتكرر أسماء مثل برج، واستشهد بان عاصي ومنصور كانا يسعيان جاهدين ليعيّشا عائلتيهما ويقدمان للفن أيضاً في الوقت نفسه .
واستنكر ايضاً الياس ما قام به الرؤساء في لبنان حيث أنهم لم يقدموا للبنان ما له قيمة، واستذكر حين تلقى جائزة عالمية وطالبته الدولة بـ50 بالمئة من راتبه.


الكاتب الكسندر الحاج قال لموقعنا إن أقل ما يمكن أن يقوم به لبرج هو الحضور في الحدث التكريمي له، وتابع أنه كان يحب المسرح لكن حين كتب مسرحيته Le Crapaud وعرضت في مسرح مونو إخراج برج، لمس إلى أي مدى برج يحب المسرح ويجعل الآخر يحبه.
وتابع أنه لا ينسى هذه التجربة المسرحية الفريدة مع برج، وهو محطة مهمة بتاريخ المسرح اللبناني وهو الذي أعطى مع الكبار مثل ريمون جبارة وأسسوا المسرح وبالوقت نفسه كان لديه المام بالكلاسيكية وانفتاح على المسرح المعاصر .
وعن أعماله الكتابية الجديدة قال ألكسندر إن آخر كتاب له كان Dictionnaire amoureux du Liban سيصدر بالعربي وحالياً يكتب رواية جديدة ولديه مسرحية سيقدمها في كانون الثاني اخراج لينا أبيض وتمثيل الممثلة ميراي معلوف.


وفي الختام كانت لنا كلمة مع كيفورك سانتوريان المدير الإداري في جمعية شباب انترانيك حيث قال "بالنسبة لنا هذا الحدث ثقافي مهم ، وهذا العام إنه اليوبيل الـ85 لتأسيس جمعية انترنيك في لبنان".
وتابع أن برج بدأ في المسرح في لبنان حين جاء من اسطنبول قدم تجربة خاصة بعدها انضم إلى انترنيك وأسسنا فرقة المسرح الأرمني "فاهرام بابازيان".
واستدرك :"برج بالنسبة لنا من رواد المسرح الأرمني واللبناني والعربي والعالمي ونفتخر به، وأقل ما نقدمه هو التكريم حيث أنه يستحق أكثر، جيلي الذي عايش الستينات والسبعينات تثقف على يد أعمال برج."

لمشاهدة ألبوم الصور كاملاً إضغطهنا.