لنتخيّل أننا اليوم نعيش في عام 1995 ، زمن تلفون المحمول الكبير والتواصل الإنساني الأكبر، زمن السكوت بعد صمت مدافع الحرب اللبنانية، إنه زمن لملمة الروح والسمع.

ومن كان غائباً عن تلك الفترة الجميلة حتى في وجعها، نعيدهُ إليها بإسم طبع جنون المراهقة بطعم الجرأة وإندفاعة المشاعر، هو من كان يقف على المسرح لتقف معه دقات قلوب الصبايا إحتراماً لحاسة السمع والإستماع والإستمتاع، "عم بحلم برفيقة" أغنيته التي صارت نشيداً للحب، لكل فتاة متّكئة على نافذة مبللّة تحلم بفارس الأحلام مدغدغ الحنين والهوى.

هو هادي يونس الذي وإن نسته الشاشات وحبر الصحافة، فلن تنساه الذاكرة المدعومة بجينات الوفاء وحنين الماضي. هادي يونس، كيف لنجم لامع أن يخفت بسرعة شهب؟ كيف لمعبود الجماهير أن يُغيّب بإنتقائيّة غامضة؟ كيف لصوت مسموع أن يُحرم مكبرات الصوت؟ إتصلنا وتواصلنا مع هادي وكان لنا معه هذا اللقاء.

هادي، لكل من يعرفك ومن لم يعش فترة التسعينات، هل يمكن أن تعود بنا بالذاكرة إلى الوراء؟

أولاً وقبل كل شيء وبعد طول غياب، أحيّيك وأحيّي كل من خططّ لهذا اللقاء. أنا بدأت عام 1995 عبر أغنية وفيديو كليب "شو صرلك تغيرتي" ومن بعدها توالت أربعة أعمال مهمة.

نذكر في حينها أنك كنت أوّل من تجرأ على عرض "قبلة حب" في فيديو كليب عربي، وأحدثت صدمة في حينها.

صحيح فأنا كنت دائماً أتمتّع بقدر كبير من الجرأة ونوع من "الحداثة" كشاب في مطلع عمره، كانت أفكاري تسبق عصرها.

من كان الداعم المادي لك لتنتج هذا العمل؟

صدر العمل نتيجة دعمٍ مالي شخصي، فأهلي هم أول أشخاص قاموا بدعمي فقد آمنوا بموهبتي.

ماذا عن مرحلة ما بعد العمل الأول؟

إنتقلنا إلى عام 1996 إشتركت في برنامج "ستديو الفن" وحصلت على الميدالية الذهبية عن أغنية "عم بحلم برفيقة تقلي مشي نطلع صوب الشمس".

لمن الكلمات والألحان؟
كلمات أحمد درويش وألحان سمير صفير .

من كانوا زملاءك في تلك الفترة في برنامج المواهب؟
فارس كرم، رامي عياش وسوزان تميم.

هل حظيت بدعم..
(مقاطعاً بسرعة)حظيت بدعم أهلي والناس فقط.

إنطبعت تلك الفترة بمخرجٍ إحتكر الساحة الفنية، هل دعمك كما فعل مع غيرك؟
كل إنسان وجد الدعم الذي "على قدّو"، أنا "ما عطيت شي إلا بالفن وبس".

هل لو أعطاك المخرج "ما غيرو" الدعم كما فعل مع الآخرين، هل كنت حققت نجاحات أكبر؟

المشكلة كانت مني أنا ، فأنا شخص متحفّظ في حياتي .

ولم تكن ترضى بكل الشروط؟
لا أريد التحدث في هذا الموضوع. أكتفي بالقول إنني شخصٌ متحفظٌ في الحياة ولا أقبل بأن يفرض عليّ أحد أيّة شروط. أنا أقدّم فنّاً فقط، من يريد أن يأخذ مني فناً، فأنا مستعد أن أقدّم كل ما لدي من قدرة، ومن لا يريد مني الفن، ليس لدي ما أقدّمه لهُ.

هل تقصد أنه فرضت عليك كما يقال عن غيرك، شروط "شخصية"؟

لا أعرف ما هي الشروط التي خضع لها غيري، أنا أتحدث عن نفسي. أنا في الفن مستعد أن أقدّم "يلي ما بيتقدّم" غير الفن لست مستعداً أن أقدّم أيّ شيء.

كنت "معبود الصبايا" في تلك الفترة ، وكانت المدارج تمتلئ لحضورك، قدّمت أغاني ما زالت إلى حدّ اليوم ترددها الناس، لماذا لم تسع للإستمرار؟
جميعنا نعرف أن وضع الفن ليس سهلاً أبداً ، كنت مستعداً جداً للتعب في الفن، لكن كان هناك أشخاص مسيطرين على القطاع الفني. وليس كحالة اليوم حيث يمكنك أن تدعم أغنية في جميع الإذاعات عبر الدعم المالي. أنا مثلاً كنت أدفع من مالي الخاص لكي أدعم الأغنية عبر الإذاعات وبعد يوم واحد تختفي الأغنية "بقدرة قادر" حينها كنت أخسر كل المال الذي دفعته، والإذاعات لم تكن تعطني أيّ تبرير. كان هناك شخص بنفوذ قوي وكان يفرض ما يريد. ولم أكن قادراً على تغيير هذا الواقع.

هل المخرج "ما غيرو" هو الوحيد وراء محاولات إلغائك هذه؟
نعم هو أهم الأشخاص، وليس في تلك الفترة فقط لكن حتى الآن. لا تزال المشاكل قائمة بيننا.

غريب، مع أنه "إنتهى" كما يُقال بالمعنى المعنوي للكلمة.

لا أحب أن أستخدم هذا التعبير لأنني أحترمه، لكن لا تزال المحاكم "بيناتنا".

لقد عدت إلى الفن مع شركة روتانا، لماذا لم يستمر التعاون بينكما؟
في بداية عام 2005 وقّعت عقد إنتاج لمدة خمس سنوات مع شركة روتانا من بعدها وقعت الأحداث الكبيرة في لبنان مع إستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وتوالت الأحداث في لبنان، وأنا لم أكن أمتلك الصبر الطويل لكي أنتظر سنة أو أكثر لكي أنجز الألبوم. فأنا كنت غائباً لمدة طويلة، رجعت إلى الساحة وحدثت الأزمة في لبنان. كما مرّت روتانا بمشاكل داخلية كثيرة وأغلقت مكاتبها في بيروت، لأسباب خاصة بهم لا تعنيني.

ماذا فعلت؟
فكّرت حينها بأن العمر يمضي وها أنا أستهلك طاقاتي كثيراً في الفن وها أنا لم أصل إلى نتائج، ففضلت أن أتوجّه إلى الأعمال الخاصة وأن ألتفت إلى حياتي ومستقبلي ولم أعد أريد أن أعيش "على جميلة حدا" لا شركة إنتاج ولا غيرها.

بكل صراحة، في كل مرة تشاهد التلفزيون وترى أن هناك من كان أقلّ منك صوتاً و شكلاً و حضوراً و قد حقق الشهرة و المجد والمال، هل تشعر بحسرة؟
صحيح أن الحضور الفني والشهرة يدغدغان مشاعر كل إنسان، لكن لم أكترث يوماً للثروة أو الشهرة. أنا أغني لأنني أحب أن أغني وليس للشهرة، أحب أن تسمعني الناس وتفرح بالأغاني ،لكنني لم أغنّ لجمع المال في المصارف. كل هذا مجدٌ باطل ، "ما حدا آخد معو شي".

ما هي الذكرى التي لا تنساها أبداً من تلك الحقبة؟

محبة الناس، لا تُنسى أبداً، هذه نعمة من الله. الناس الذين أحبوا موهبتي وقدّرونني، لا أزال ليومنا هذا عبر وسائل التواصل الإجتماعي و في الطريق، الناس يتواصلون معي و يعبّرون لي عن محبتهم. أنا أقدّر جداً محبة الناس تجاهي، أنت على سبيل المثال، ورغم مرور سنين طويلة فكّرت بأن تتصل بي وتجري معي هذا الحوار. وهذا أمر أقدّرهُ جداً.

هل ينتابك أيّ شعور بالندم تجاه أيّ قرار سابق أو خطوة سابقة كنت قد إتخذتها؟
كل إنسان يمرّ بلحظات شعور الندم، لن أجامل بالكلام وأقول إننا لا نندم على شيء، فهذا الكلام "فلسفة فارغة". هناك تجارب نتمنى لو أننا لم نقطع بها، لكننا نتعلّم من هذه التجارب، ونتعلّم كيف نُصلح الأخطاء. أنا لم أكن من أبناء "الجو الفني"، دخلت إلى هذا الجو الممتلئ بالدهاليز وأنا دخلت بنفسية "أنا حامل موهبة فايت على الفن" وهذا ليس هدف كل من في المجال، فهناك من يقف بقربك بهدف الإستثمار وتحقيق المصالح. وهناك تنصدم بالأشخاص الذين تظّنهم أصحاباً ومحبين، ويتضّح لك لاحقاً أنهم ليسوا أصحاباً.

هل تحقد على المخرج "ما غيرو" ؟
أكيد أكيد لأ. لم أحقد على أحد، فليس للمال والمجد أيّة قيمة عندي.

هناك فنانون ممن دعمهم هذا المخرج، وهم يشمتونه اليوم . ما رأيك بهذا الأمر؟
أعوذ بالله، عيب، نحن مؤمنون و نعرف ربنا، والله هو من يحاسب كل إنسان بحسب أعماله. وأنا لا أزال في حالة دعاوى قضائية مع هذا الشخص ولكن لا أشمت به أبداً.

أين هادي يونس اليوم؟

أنا متّجه للأعمال الخاصة العائلية، في مجال المقاولات. ومؤخراً إفتتحت شركتي التي تهتم بفرش المنازل. أستورد جميع أنواع المفروشات والديكورات الخاصة بالمنازل.

هل تحب أن تعود إلى الفن؟
دائماً تراودني هذه الفكرة، فالفن في دمي. لكن بصراحة لم أعد أرغب بأن أتكلّف أيّة تكلفة على الفن. لأن العمر يمرّ بسرعة، فأنا لم أعد "ولد"، لست إبن عشرين لكي أفكّر بالبدء من الصفر. اليوم أفكّر بأن أؤمن إستمرارية لحياتي، لذا أتّجه إلى المشاريع الآمنة. أضف إلى ذلك وضع الفن السيئ هذه الأيام، لا يمكن أن أكون بهكذا نوع من الفن.

كلمة أخيرة، لقراء موقع الفن.
أريد أن أشكرك أنت أولاً، كما أشكّر الإعلاميّة هلا المر، التي دعمتني وحضنتي كثيراً في بداياتي، هي من الأشخاص الذين "فضّلوا" على هادي، هي شقيقة مُفضلة عليّ وأنا لا أنسى أبداً. وإلى كل من يقرأ هذه المقابلة، أشكرهم على محبتهم، إلى كل من يعرفني و لا يعرفني و ها هو يتعرّف عليّ من خلال هذه المقابلة، أشكرهم على محبتهم. أعتذر لأنني لم أكن على قدر توقعاتهم وطلباتهم، لكن هذا الأمر كان خارجاً عن إرادتي ، شكراً للجميع وتحياتي.