هو الشاعر والصحافي والفيلسوف والمفكّر.

هو كالحجر الكريم نادر في شعره والفلسفة. امتشق القلم منذ ريعان شبابه وعمّد بحبره الأوراق حتى باتت تعرفه. إنه روبير غانم الذي امتهن الصحافة باكراً فكان رئيساً لعدة صفحات ثقافية، فمارس التدريس معلماً كبيراً وساهم في إطلاق أهم الشعراء من خلال منبره في الأنوار ومنهم محمود درويش. هو الذي شرب من مياه بسكنتا فجاور ناسك الشخروب ميخائيل نعيمه، وله والد شاعر وصحافي هو عبدالله غانم.
إنه شاعر المعرفة والزمن، شاعر الفلسفة والفكر. كما أنه لاهوتيّ ومفكّر جمع في شخصه الإبداع والثقافة والفكر والفلسفة. وكان لنا هذا اللقاء معه للتحدّث عن شعره والثقافة والفلسفة .

أولاً أنت صحافي وشاعر ومفكّر وفيلسوف، في أي من هذه تجد نفسك أكثر؟
الصحافة بالنسبة لي هي مهنة، وأقسمها إلى عملي الصحافي والتعليم الجامعي. أما الفكر والشعر والفلسفة فهذه مواهب من فوق لا أستطيع أن أتحكّم بها. بينما الصحافة التي تحتاج إلى إبداع هي مهنتي كما هناك مهن مثل الهندسة والطب. لكنّ هذه المواهب كلها مربوطة بخيط واحد داخلي لا يراه أحد يشكّل الشخص الواحد. فأنا عبر الصحافة والشّعر وعبر الفكر والفلسفة أشكّل شخصاً واحداً هو روبير غانم. وإذا أبعدت عني موهبتي الشّعر والفكر اللتين تأتيان من فوق من السماوات فينقص مني الكثير بينما إذا ابتعدت عن الصحافة فلا أنقص لأنني أجد مهنة أخرى.

شعرك يحمل طابعاً فلسفياً فيه تساؤلات وجودية. ما هو الشعر بالنسبة إلى روبير غانم؟
أنا أعيش بل أحيا وهنا الفرق كبير بين أن تعيش وأن تحيا لأن معظم الناس تعيش ولا تحيا الحياة لذا نرى مجتمعاتنا تنهار. أنا دخلت إلى الفلسفة والفكر عبر بوابة الشّعر فأنا أولاً شاعرٌ دخل إلى عالم الفكر منذ 15 عاماً. وأنا من دون الشعر أكون أو لا أكون. خصوصاً أنني في فلسفتي طرحت المسائل الوجودية بأعماقها. فالأسئلة الوجودية التي أقلقت آباء الفلاسفة منذ اليونانيين وصولاً إلى ألمانيا التي أنجبت إيمانويل كانت الذي يعتبر أرسطو العصر الحديث. وجاء بعده هيدغر وابن رشد العربي وغيرهم. لذا أنا خارج الفلسفة الميتافيزيقية وخارج الشعر الغزلي الميتافيزيقي فأرى الجذور التي ستبقى بعد الأزمنة وكنت قد أصدرت موسوعة تحت عنوان "أبعد من الفلسفة" وطرحت فيها الأسئلة الكبرى من أين ، لماذا، متى وإلى أين؟ وحتى الآن لا ثقب في المطلق يشير إلى جواب عنها. أما أنا فقد حاولت أن أحفر ثقباً صغيراً في جدار المطلقات. واليوم الحرف عتق واللغة بتعتق، فابتكرت أبجديتي الخاصة منذ موسوعة "أبعد من الفلسفة". وبعد شعر سيصدر لي كتاب في اللاهوت.

كيف يلتقي الشعر بالفلسفة خصوصاً أن فرقاً كبيراً بينهما فالشعر إبداع والفلسفة فكرٌ ؟
هذه المسألة عانى منها الشعراء العظام. فليس كل من خطّ حرفاً وركّب أوزاناً هو شاعر. لذا ليس هناك من فرق بين الشعر والفكر والفلسفة فهي تغبّ من نبع واحد هو نبع الإبداع. فمرّة يتوزّع الإبداع على الشعر ومرّات بين الفلسفة والفكر. وإذا قرأت لي كتبي الفلسفية تجد إبداعاً شعرياً في الفلسفة. مثلاً إذا أردت أن تقرأ كانت فيجب أن تتمتّع بحس فلسفي صعب بينما إذا قرأت نيتشه فتجد طراوة عنده لأنه دخل إلى الفلسفة من باب الشعر كما أفلاطون. بناء عليه أنا شاعر دخل إلى عالم الفلسفة والآن إلى اللاهوت. وهناك فرق بين الفلسفة واللاهوت ففي الفلسفة تقترح أفكاراً ذاتية أما في اللاهوت فتفسّر أموراً ثابتة. فروبير غانم إن كتب شعراً وإن كتب فلسفة.


ما هو الفرق بين الفلسفة والفكر؟
المفكّر ليس عنده منهج يتبعه في كتابته. فمرة يكون هنا ثم يقفز إلى مكان آخر. أما الفيلسوف فهو الذي يملك رؤى فلسفية ولديه منهج فلسفي أي ينطلق من These إلى Antithese إلى Synthese.

نرى اليوم أن العالم يتجه أكثر نحو العلوم الطبيعية والإقتصادية ويبتعد من العلوم الإنسانية كالفلسفة والآداب. هل ستموت العلوم الإنسانية ولن تصمد أمام العلوم والتكنولوجيا؟
كل شيء، أي كل العلوم من طب إلى الفيزياء والرياضيات والكيمياء إذا ليس فيها إبداع تسقط مع الزمن. يعني كل شيء يجب أن تطعّمه بالإبداع وإلا اندثر ومات. وهنا أذكر قولاً لفيلسوف كبير هيغل: في نهاية الأمر ينتهي كل شيء ويبقى الشّعر. يعني كل شيء يجب أن يرتقي إلى مستوى الإلهام وإلى الرؤى كي يبقى. والكتب المقدسة فيها شاعرية وفيها إبداع وليست جافة. فالشعر هو تاج كل شيء. بناء عليه أنا طعّمت فلسفتي برؤى إبداعية وبلغة جديدة.


عند انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب اللبنانية شهدنا نهضة فكرية وثقافية كبيرة في لبنان خصوصاً في الصحافة والملحقات الثقافية التي كان يترأسها شعراء. كيف ترى مستقبل الثقافة في لبنان وما هو سبب غياب هذه الصفحات الثقافية؟
أولاً لم تكن حرب ال 75 حرباً أهلية بل هي حرب الآخرين على الأرض اللبنانية. وهذه النهضة التي تكلمت عليها أنا كنت أحد روادها لأنني كنت رئيس تحرير ملحق الأنوار لمدة خمس سنوات وكان هو وملحق النهار قد قاما بخضّة في العالم العربي. من المحيط إلى الخليج. لكن اليوم هزلت الصفحات الثقافية. هناك أولاً شحّ في المواهب. وثانياً هناك أيد خفيّة تعمل على تمييع الإبداع والثقافة المبدعة وهو ما يظهر في الأغنية والشعر والفكر والأدب فلا تجد إلا ما ندر مبدعاً. وهناك مال كثير يدفع لناس مدسوسين كي يقدموا لنا هذا الفن الهابط. والشعر يكبر مع شاعر كبير ويصغر مع شاعر صغير.

من الذي يعمل على هدم الثقافة في لبنان والعالم العربي؟
الصهيونية العالمية ليست صهيونية سياسية فقط بل هي صهيونية لضرب الثقافة والسياسة أي لضرب الثقافة السياسية. فيدفع بالعملة الصعبة ولي خبرة طويلة في مجال الصحافة والإعلام لناس معينين في صحف يومية ومجلات أسبوعية كي يعملوا على تمييع وتقزيم الصحافة فهتلر قال لوزير إعلامه : أكذب أكذب أكذب. وهكذا فعل مرتزقة الصحافة عندنا. ولم يبق إلا الأصلاء.