الخامس من آب لم يكن يوماً عادياً بالنسبة للكثير من اللبنانيين خصوصاً المراهقين منهم.

دقّت الساعة التاسعة مساءً والآلاف متواجدون في مهرجانات جبيل ينتظرون بشوق هذا اللقاء مع الحرية والعدالة والتمرّد.. والإبداع. شبان وشابات يردّدون خلف "مشروع ليلى" الفرقة الموسيقية التي ذاع صيتها عالمياً في مهرجانات بيبلوس الدولية: "لا لرهاب المثلية والذكورية"، وغيرها من القضايا التي تتعلّق بحقوق الإنسان واحترام حرياته الجنسية والفكرية والسياسية من دون خوف من سلطة الأهل والمجتمع والدولة.. تمردٌ وصل إلى حد رفع بعض الحضور علم المثليين ليرفرف من دون رادع في المدينة الأقدم في العالم.


قدّم شبّان "مشروع ليلى" أشهر أغنياتهم التي يصعب فهمها بسبب أسلوب غناء نجم الفرقة "حامد سنّو"، إلاّ أنّ الجمهور كان يردّدها وراءه بطلاقة، تشكّل أغنياتهم للفئة العمرية المتوسطة فسحة أمل نحو التغيير، تُحفر كلماتها في ثنايا عقولهم، تجعلهم يتحرّرون من كل قيود المجتمع، فكلّما تبدأ الفرقة بأغنية جديدة يصرخ الجمهور بدون وعي. مشهدٌ يذكرنا بمحبي أبرز النجوم على المسارح العالمية عندما يفقدون وعيهم، ولعلّ المشهد ليس مختلفاً كثيراً، فالقيمون على المهرجان نقلوا التقنيات الموجودة على المسارح العالمية إلى مسرح بيبلوس من حيث الإضاءة والصوت والإبهار ليكمل ضيوف السهرة لمساتهم بموسيقى الفرقة وغناء حامد واستعراضه الذي كان عفوياً متحرّراً كما عرفناه، يشرب الماء بين الأغنية والأخرى ويسكب ما تبقى من القنينة على شعره المبلل، ويعود ويرقص ويجنّ على المسرح موجهاً في كل أغنية رسالة عن قضية ما.


رهاب المثلية واحدة من أبرز القضايا التي قدّموها في أغنياتهم، وقبل أن يبدأ حامد بتقديم أغنية "طيف" قال إنّ هذا العمل كُتب بعد أن أقفل نادٍ ليلي خاص بالمثليين جنسياً والذي كان يسهر فيه بحسب قوله وشدّد على ضرورة محاربة رهاب المثلية وعدّم التعرّض لهم. ثم بدأ بالغناء :"والطرابيش خدونا عالحبوس عشان يخصونا ويعملوا أوسام خيطنا لون أعلامنا من أكفان جثث الأصحاب اللي كانوا ع الإعدام". وأرفقت بمشاهد فيديو لمتحولٍ جنسيّ يرقص ظهر على الشاشة الكبيرة خلف الفرقة، وقدّ تحمّس البعض ورفعوا علم المثليين الذي لا يجرؤ غالبيتهم على رفعه في الشوارع العربية واللبنانية.


لم يكن موضوع رهاب المثلية وحيداً في السهرة، فقدّمت أغنية "مغاوير" عن الذكورية ونتائجها المأساوية على المجتمعات وردّدوا: "هون الست بس مقياس لكرامته قدّام الناس غالباً في طبنجة بجيابه لأنّو الصبي إبن بيّو". كما طلبوا من الجمهور أن يساعدهم على غناء أغنية "الجنّ" التي منعوا بسببها من تقديم حفل غنائي في الأردن ووصفوا بها بعابدي الشيطان، ليكون رداً على ما قامت به السلطات الأردنية عبر مسرح لبناني. وأكدّ حامد قائلاً: "فليكن ما يكن بعدي واقف وبعدني عم غني". وعن المشاكل الطائفية التي يعاني منها اللبناني غنّوا "للوطن": "وبس تتجرأ بسؤال عن تدهور الأحوال بسكتوك بشعارات عن كل المؤامرات خونوك القطيع كل ما طالبت بتغيير الوطن يأسوك حتى تبيع حرياتك لما يضيع الوطن".


غادرت الفرقة المسرح وشكروا الجمهور الكبير الذي توافد بالإضافة إلى القيمين على مهرجان بيبلوس مؤكدين أنّهم لأول مرة يغنون بهذه الحرية في لبنان، لكنّ بعد دقائق معدودة عادوا إلى المسرح بعد أن هتف لهم الجمهور وطالبهم بالمزيد من جرعات الحرية.. قدّموا ثلاث أغنيات إضافية وغادروا هذه المرة من دون العودة إلى أي مسرح لبناني هذا الموسم، وبقي الجمهور متأثراً طيلة السهرة متمنياً لو أنّه يستطيع أن يصرخ في كل الأراضي اللبنانية كما فعل في جبيل.