إنها تحوم، البلدة البحرية التي لمع إسمها في الفترة السابقة من تاريخنا الحزين وكانت تعرف بحاجز المدفون، الفاصل بين جبل لبنان ولبنان الشمالي.

تلك المنطقة التي بغرابة هذا الوطن الإستثنائي، تعيش جوّ القرية الجبليّة بطبيعتها وطيبة سكانها، لكن على شطّ بحرٍ يعشقه هوا الصيف.

هذه البلدة التي تُعدّ على حدود محافظتيتن لبنانيتين، ألغت كل حدودٍ البارحة في الثالث من آب، وجمعت ما فرقه حاجز المدفون وكل حواجز الأوهام اللبنانيّة . ومن أفضل من راغب علامة ليجمع دائماً و يوحّد الناس على تصفيق وإرتفاع في مستوى الأندورفين ، هرمون السعادة والفرح.

في كل مرة يعتلي السوبر ستار راغب علامة المسرح، ينتابنا تساؤل غريب ، يدور في فلك مخيلتنا، محدودة كانت أم واسعة، كيف لهذا الفنان الذي واكب عصر الثمانينات و التسعينات و ما بعد سنة الألفين، المنتظرة على ورق وحسابات، كيف لهذا المبدع أن يُشبه كل جيل وكل عصر.

فهو على المسرح إبن اليوم إبن سنة ال 2016 بإمتياز من شبابها، من عصر أطفالها و مراهقيها، من طموح اليافعين المخططين لمستقبلٍ واعد فيها. يشبه الجميع، بروحهِ المطلّة من جيلٍ سابق إلى وسعة الجيل الجديد. رائعٌ، كيف ينبضُ شكلاً و مضموناً بحيويّة الحياة و عشق الحياة، في كل مرةٍ يعتلي المسرح وكأنه يولد من جديدٍ في تاريخ الحفل، و البارحة كان راغب علامة المولود في الثالث من آب 2016.

كل أغنيةٍ قديمة أو جديدة هي في بال وذاكرة كل الحضور، عندما غنى "قلب عشقها" شاهدنا ردات فعل الناس وخصوصا الصغار منهم، كانوا وكأنهم مواكبين لأوائل التسعينات و يعرفون طعم موضتها و عناصرها. رقصوا على كل أغنية، وتفاعلوا مع السوبر ستار راغب علامة، فهو من جيل كل واحدٍ منهم.

راغب علامة، القريب دائماً من الناس الذين أبعدتها التكنولوجيا عن بعضها البعض. فأطفأ الحضور أجهزته الخلوية لأول مرة في تاريخ جنون وسائل التواصل الإجتماعي، ليتمكنوا من الإلتزام الكلّي مع صوت السوبر ستار.

كان من اللافت حرص راغب على التحدث معهم بين الأغنية والأخرى. في البداية رحّب بكل الحضور، وخصوصاً وزير الإتصالات بطرس حرب. وقف راغب وطلب من الوزير وعداً قاطعاً بتحسين شبكات الإنترنت في لبنان، و بذكائه الحاد قال :"لا أريد وعد كلام، كما أفعل أنا مع بعض الناس الذين أعدهم بحفلة و أقول لهم إنشاء الله، لكنني أريد وعداً صادقاً فوعد الحر دين"، هكذا يكون الفنان، يستخدم سلطة محبة الناس لكي يردّ لهم الجميل بتأثير إيجابي، فراغب لطالما إشتهر بدعمه للمجتمع المدني، ووقوفه بوجه الفساد والطائفيّة البغيضة.

كان لراغب دعابة ذكيّة تنمّ عن ثقافتهِ و ذكائه الإجتماعي أو ما يُعرف بالـ social intelligence ، فعند تحية وزير السياحة و قوله إنه ليس حاضر و إنما طيفهُ، كما النائب أنطوان زهرا غير الحاضر بنفسه وإنما بطيفهِ، حيّا الصحافي البتروني جورج بكاسيني فإستدرك التحيّة بسرعة وقال: يبدو أن طيف وزير الداخلية حاضر أيضاً . وهذا الكلام هو من نوع "اللطشة " الذكية جداً . توجّه من بعدها راغب إلى الوزير حرب قائلاً: "الحمد لله أنني لم أختر مجال السياسة بل مجال الفن". صدقت يا راغب، لأنك زعيمٌ بالسلطة الخامسة، سلطة الكلمة الحرّة الملحنة بإبداع النوتات و روعة المخيلات.

في تحوم، إنتظر الجميع وصول السوبر ستار، هو الحاضر الدائم في وجداننا الفنّي اللبناني، حمل العلم اللبناني وقبّله عندما كان يؤدي أغنية "بوس العلم" ، هذا هو راغب من دون تصنّع، ينتمي إلى أرضٍ أعطتهُ الشهرة فأعطاها الحب و الوفاء، المقاعد كاملة العدد، فهو الرقم الصعب على شباك التذاكر، هو الورقة الرابحة لكل مهرجان. هو من جيل الأمس، جيل اليوم و غداً، شابٌ تملؤه الحياة بجمالياتها، يليقُ به المسرح و يليقُ به التصفيق ، ويليقُ به الوطن.