شاعرة ابنة شاعر، استفاقت عيناها على والدٍ نسج من خيوط عبقريّته ملاحم شعريّة، واتّحد إبداعاً بالمطلق وبأشياء الكون حتى صار فوق الهنا.

شاعرة والدها ثائرٌ حتى العظام، حداثويّ حتى التخطّي، شعره فوق الشّعر، ونثره أبعد من النثر، ونقده أقوى من النّقد. أنسي الحاج ناثر الشّعر وشاعر النّثر، عنه تتكلم ابنته ندى عن ذكرياتها معه عن الأيام التي قضاها حاملاً هموم الثقافة والأدب والفنّ. ندى الحاج التي كتبت الشعر الذي يشبهها، التي كتبت الحبّ فجمّلته متخطية به حدود الهنا متحدة من خلاله بالحب الإلهي وبالمطلق الذي لا يلمس ولا يرى. متصوّفة حتى الإنعتاق. هي التي قال عنها المطران جورج خضر: نزل الشعر عليها كمائدة من السماء هذه كتابة لقيت الله او لقيها الله أشاعرة الإلهيّة ندى ام شاعرة الكونية؟
لها في الشعر: أثواب العشق، بخفة قمرٍ يهوي، غابة الضوء، كل هذا الحب، رحلة الظل، أنامل الروح، صلاة في الريح، تحت المطر الأزرق.
شعرها صلاة عبور، وعشق إلهي ورحلة في النفس الإنسانية، شعرها هي وهي شعرها ، وكان لنا معها هذا اللقاء لتتحدّث عن آخر إصداراتها وعن الشاعر أنسي الحاج.

كيف كانت تجربة غناء هبة القواس لأشعارك وكيف كانت الأصداء؟
هذه التجربة كانت قفزة نوعيّة في حياتي. خصوصاً أن شعري ليس شعراً منبرياً أو سياسياً أو للمناسبات فشعري يجب أن يقرأ أو يسمع مغنّى، لكن عندما تضيف إلى شعري موسيقى هبة القواس في أهميتها وصوتها الرائع الذي لا يشبه أحداً، هذا يضيف بعداً آخر بعداً إبداعياً إلى قصائدي. وعندما غنّت هبة قصائد من شعري شعرت بأن قصائدي لم تعد ملكي بل أصبحت ملك الإبداع والفن ومن يسمع هذه الأغنيات، لكن يجب الإنتباه إلى أن هذا النوع من الغناء لا ينتشر بين الناس لأن الإذاعات والإعلام لا يهمهم هكذا نوع من الأغنيات والقصائد. كما أنني وهبة نقوم بأمسيات فألقي الشعر وهبة تغني.

أين يلتقي الشعر بالموسيقى وكيف خصوصاً أن العلاقة بينهما قديمة؟
كل الفنون الإبداعية تلتقي إذا كانت منسجمة، فيمكن لشخص ما أن يلقي شعراً وشخص آخر يرقص أو يرسم، فكيف إذا اجتمع التأليف الموسيقي بالغناء والشعر. فتؤلّف كوكباً خارج الأرض أقرب إلى السماء.


الحب في شعرك يأخذ حيزاً كبيراً لكنه ليس حباً عابراً بل خلاصاً للإنسان..
الحب موجود في يومياتنا وفي التفاصيل الصغيرة. لكن هناك المطلق الذي نسعى إليه، نحو الإكتمال الذي إذا لم نجده مع الآخر نبحث عنه ونجده في عدة طرق ويتعدّى كونه علاقة بين إثنين. لا أنفي البعد الإنساني والبشري للحب لكن هناك شيئاً أبعد وأوسع، لا يطال أسعى إليه يشبه الرجاء. كما الإيمان بما لا نراه هكذا الحب نحب أن نلمس ما هو أبعد من الملموس.

والدك الشاعر أنسي الحاج كان رائد قصيدة النثر والمسؤول عن الملحق الثقافي في النهار وبعدها في الأخبار. هل كان عندك هاجس أن تكتبي شعراً مختلفاً عن توجّهه الشعري؟
أولاً أنا تأثرت به كونه والدي، ثم إنني معجبة بكتاباته، لكن لم يكن عندي هاجس أن أشبهه أو أن أختلف عنه بل كان هاجسي أن أشبه نفسي وأشبه مسيرتي الشخصية الملتصقة بذاتي والتي تسعى إلى الإتحاد بالكون وبمظاهره. أنا أشبه نفسي كثيراً في شعري لكن هذا لا يلغي بعض التشابه بيني وبين والدي الذي يعود إلى الجينات. أما التأثر بالآخرين فهو غنى للشاعر على أن يكتب ما يشبهه.

أصدرت مؤخراً كتاب شعر أخبرينا أكثر عنه..
لقد عملت على مشروعين بالتوازي خلال السنة الماضية. فأصدرت كتابي الثامن وعنوانه "تحت المطر الأزرق" الديوان الذي أهديته إلى روح والدي لأنه الإصدار الأول لي ووالدي ليس على قيد الحياة. عن دار ضفاف ووقعته في معرض الكتاب العربي في كانون الأول 2015 واستشهدت ببعض الجمل من كتاباته وضعتها بين فصول الكتاب خصوصاً أن الكتاب مقسّم إلى قسمين الأول شعر والثاني شذرات. كما أصدرت الكتابات التي كان أنسي ينوي أن يصدرها ولم يستطع وأوكل إليّ العمل عليها لأصدرها وكان وعداً مني إليه ، وهكذا حصل فكان كتاب "كان هذا سهواً" وفيه كتابات لم تنشر إلا قصيدة "غيوم" التي نشرها وقام بتعديلها فيما بعد. هذان الإصداران عملت عليهما وأخذا الكثير من الجهد ، كان هناك وجع، وجع الولادة وفرح الولادة.


هل يمكن أن تصدري كتاباً لأنسي يشبه كتاب "كلمات كلمات كلمات" أي أن يكون بعيداً عن الشعر؟
لقد أصدرت هذا الكتاب وتضمّن كل ما لم ينشر، والكتابات الأخرى كانت قد نشرت إما في الجرائد أوالمجلات. وهناك "خواتم" التي كانت تنشر في الأخبار وهي كتابات فلسفية أسميها حكماً تعكس فكراً ووجدانيات وحكماً ويمكن أن أصدرها تحت عنوان "خواتم 3". أما ما لم ينشر فقد وضعته في كتاب "كان هذا سهواً".

هل أنسيالحاج كان شاعراً أم صحافياً ؟ وما كان رأيه في الصحافة؟
أنا أعرف أن والدي لم يكن يحلو له أن يسمّى صحافياً، لأن الصحافة استهلكته خصوصاً أنه شاعر أولاً وآخراً والصحافة تأكل من الإنسان، واعتبرها مهنة ليؤمّن لقمة عيشه ولقمة عيش عائلته. لكن هذا لا يمنع كونه رائد الصحافة الثقافية، خصوصاً أن الملحق في صحيفة النهار الذي كان مسؤولاً عنه قام بنهضة على مستوى العالم العربي. والعمل الصحافي ساهم أيضاً في انتشار إسمه. وفي العالم العربي لا يستطيع الكاتب أن يعيش من خلال ما يكتبه فيلجأ إلى الصحافة أو التعليم. لكن أنسي الحاج شاعر أولاً وآخراً وكاتب وشاعر فيلسوف ، إلا أنه ليس فيلسوفاً لأنه كان يعتبر الفلسفة فكراً منطقياً عكس الشعر خصوصاً الشعر السوريالي. وشعره أبعد من الشعر، كوني وفيه شذرات فلسفية، وخواتم التي كتبها في الأخبار هي حكم.
أما في ما يتعلّق برأيه بالصحافة فهو كان يشجّع المواهب الجديدة والأجيال الصاعدة منذ أن كان شاباً وزادت مع الأيام. وكان أنسي يقول دائماً فتّشوا عن كل شيء جديد وليس موجوداً. كان هاجسه أن يخلق شيئاً جديداً بعيداً عن التكرار والتقليد. كان ينزعج كثيراً من الإعلام المرئي الذي لا يحترم الإنسان خصوصاً في فترات الحروب حين كانت التلفزيونات تنقل مشاهد الدم والشهداء والعنف. وأعتقد أن والدي رحل في الوقت المناسب لأنه لا يستطيع أن يتحمّل الواقع الآن وقد كتب كل شيء "ما في شي ما قالو".