كنا على موعد أمس الجمعة 8 تموز عند الساعة التاسعة مع أول أوبرا باللغة العربية "عنتر وعبلة" على مسرح كازينو لبنان ليبرتو د.أنطوان معلوف وتأليف موسيقي مارون الراعي وإخراج ميرانا نعيمه وجوزيف ساسين وبطولة غسان صليبا.

ما أحوجنا اليوم إلى أعمال فنيّة تأخذنا بعيداً إلى حدود السماء لننسى الواقع البشع الذي نعيشه. وكم نحن بحاجة إلى فنّ راقٍ تمتزج فيه الكلمة بجمال اللحن وقوّة الصّوت. وهل من فنّ أرقى وأجمل من الأوبرا خصوصاً إذا كانت موسيقياً من تأليف المايسترو مارون الراعي المبدع. نعم لقد أبدع الراعي في الأمس ألحاناً إلهيّة وموسيقى أعادتنا إلى إيطاليا في مجدها لكأنك جالس في مسرح تتطاير فيه النوتات الموسيقية راقصةً وسابحةً في فضاء من الألحان الكلاسيكيّة والشّرقيّة مع لمسة إيقاع لتزيدها قوّة.

ولا تكون الأوبرا إلاّ بالليبرتو أي النّصّ الأوبرالي الذي كتبه الأديب والمسرحيّ الكبير د.أنطوان معلوف باللغة العربية الفصحى لتكون الأوبرا الجديّة الأولى المكتوبة بهذه اللّغة. وكيف لا؟ وللمعلوف باع طويل من الكتابات المسرحية والدراسات والأبحاث وسنوات من التدريس الجامعي هو الذي تألق وسطع نجمه في مسرحية الإزميل التي عرضت في بعلبكّ. لقد استطاع المعلوف في أوبرا عنتر وعبلة أن يضيء على جوانب عديدة من حياة هذا البطل وحبيبته أهمّها العنصرية تجاه عنتر ذي اللّون الأسود من أمّ حبشيّة وما تعرّض له من قمعٍ وظلمٍ خصوصاً أنه سعى طيلة حياته إلى أن يتزوّج عشيقته عبلة فخاض الحروب وجال وصال حتّى يقنع عمّها بأن يزوّجه عبلة. إنها إحدى أجمل الملامح المطبوعة في ذاكرتنا فأعاد إحياءها المعلوف بمهارة كتابيّة لا مثيل لها. أما الإخراج فكان لميرانا نعيمة وجوزيف ساسين اللذين رسما لوحات أسطوريّة على المسرح منتبهين إلى أدقّ التفاصيل ومشكّلين بمهارتهما نموذجاً للعمل الإخراجيّ الأوبراليّ الضّخم.

ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها

قيلُ الفوارس ويكَ عنتر أقدمِ

نعم لقد شفى عنتر أمس نفسنا وأذهب سقمها بصوته الذي دوى قوّة حيناً وحيناً رومانسيّة وفيض مشاعر، إنه عنتر المسرح وبطله، إنه فارس الصوت الذي ترجّل عن صهوة جواده ليضرب بسيف حضوره والصوت. إنه غسان صليبا الذي يطلّ على المسرح فيملؤه، حضوراً وجمالاً وفناً. لقد عوّدنا صليبا أن يمسك بقلوبنا ويطير بها عالياً، فقد خلق للمسرح والمسرح خلق له فصارا واحداً سيخلّدهما التاريخ. وهذا ليس غريباً على سيف البحر الثائر والرّجل الرّجل. مزج بصوته الغناء الأوبرالي مع الغناء القويّ والمملوء رومانسيّة ومشاعر.

أما بيار سميا في دور شيبوب فكالنسر المحلّق كان، عابراً بصوته الأوبراليّ وبحضوره الأخّاذ محيطات من الفنّ الجميل، له ترفع القبّعة كيف لا وهو الأستاذ وأحد واضعي المنهج الأوبرالي في لبنان.

ولكل عنتر عبلة، إنها عبلة الغناء الأوبرالي لارا جوخدار التي أبدعت غناءً وحضوراً وتمثيلاً.

كما أنّ الأزياء التي ارتداها الممثلون رائعة من حيث تناسبها مع العصر الذي تجري فيه الأحداث، فكان الكورس مع المغنيّن لوحة ملوّنة بجميع الألوان.

الحضور تفاعل بشكل كبير مع الأوبرا فعلا التصفيق مراراً وكأنّه لا يريد لها أن تنتهي. وتنوّع الحضور بين رجال أمن وثقافة وفنّ وإعلام وأصدقاء.

ومن بين الحضور رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين الذي قال لموقع الفنّ: هذا العمل دلالة على عراقة الجامعة اللبنانية في علوم الفن ودور معهد الفنون الجميلة وأساتذته الذين مرّوا بالكليّة على مدى أعوام. وكنا قد قد خسرنا أحد أعلام المسرح اللبناني العام الماضي وهو ريمون جبارة، وتخليداً لهؤلاء فكرنا بتأسيس متحف أثري في الحدث وسنبدأ بوضع الأثار الحجرية من كلية الآداب وبعد ذلك سنأتي إلى معهد الفنون لنخلّد هؤلاء الكبار. وأعتقد أن هذه الفرقة بما تمثّل وهذا الملتقى الفني المسرحي يعيد إلى لبنان الوهج الثقافي والفني والحضاري بطريقة علميّة وفكرية ونحن بحاجة إلى ثقافة الفنون لا الفن الهابط وما كتب كتب بعمق وبإتقان ومعظم المشاركين في هذا العمل هم خريجو الجامعة اللبنانية بكل تقدير وافتخار ومن حق الجامعة أن تقول ما عندها ونقبل أي نقد من أية جهة. ونحن بحاجة اليوم إلى قادة في الفكر والفن والعلوم والجامعة اللبنانية مصنع من المصانع الكبرى في لبنان ونتكامل مع الجامعات العريقة في هذا البلد واستطاعت الجامعة اللبنانية أن تحوز أعلى المراتب بين الجامعات.

والتقينا بقائد الأوركسترا الشرق عربية المايسترو أندريه الحاج الذي قال:

الإنجاز الأول لهذا العمل أن عناصره كلّها لبنانية من حيث أعضاء الكورال والأوركسترا والممثلين، وهذا العمل هو شيء مضيء لـ لبنان ويتمّم مسيرة الكونسرفتوار فالمنهجية المتبعة في الأوبرا هي المنهجية التي تدرّس في الكونسرفتوار. كما أشار إلى أنّ الأوركسترا الشرق عربية ستقدّم عملاً فنياً ضمن مهرجانات الذوق في 21 تموز مع الفنان جهاد عقل. وفي 4 آب سنكون في مهرجان زحلة وفي 27 آب في أحد المهرجانات في طرابلس.

لمشاهدة ألبوم الصور كاملاً إضغط هنا.