مما لا شكّ فيه أن الإعلام وصل إلى مرحلة لم يسبق لها مثيل في التعاطي غير المسؤول مع كل المواد الصحافيّة المطروحة، وهذا مردّه إلى أسبابٍ عديدة، أبرزها رزوح التلفزيون تحت رحمة الإنترنت، كما إصابة المحطات التلفزيونيّة بعقدة سرعة وسائل التواصل الإجتماعي، كلفته المتدنّية و خلوّ نفسيته من مرض التعالي والعجرفة وهوس الرايتينغ الذي لطالما عانى منها التلفزيون والذي وصل بسبب هذا المرض إلى مرحلة الكوما.


لكن ما حدث من نعت غير محق، لفنانٍ لطالما كان مستشرساً ليس فقط في الدفاع عن وطنه، لكن في الهجوم في أكثر الأحيان من أجل هذا الوطن الذي يجمعنا، لا يُعبّر إلا عن تدنٍ كبير في مستوى طرح المواضيع النقاشيّة على الهواء. لن ندخل في تفنيد المستوى الفني الذي وصل إليه الفنان زين العمر، من موهبة، صوت و حضور، ولن نلعب دور الموسيقيين المحترفين في التفسير العلمي لأهمية طبقاته الصوتيّة وقدراته في المواويل. لكننا ولمن خانته الذاكرة، أم هو من خانها على الأرجح، سوف نعيد شريط الماضي الذي نهاب ونخاف عادة، في مجتمع يكره ماضيه لأنه إنتهى.


زين العمر، شكّل جزءاً كبيراً من مرحلة التسعينات في لبنان والعالم العربي، عندما خرجنا من حربنا الأهليّة "المضحكة المبكية" إستطاع زين مع العديد من الفنانين الآخرين أن يؤسسوا معاً لمرحلة إعادة إعمار فنّية مثل التي حصلت في السياسة مع البنية التحتيّة، لكنه أي زين وزملاءه الفنانين لم يكلّفونا عبء 70 مليار دين مقابل إعادة الإعمار الفنيّة هذه، لا بل كانت مجانية صقلت ذكرياتنا وصنعت لنا مجد حنين، يلامس أطراف أرواحنا لغاية اليوم.
ثانياً، ولمن يصف زين بالغباء، يبدو أن ذكاءه هو لم يستوعب حقيقة أن زين كان من القلائل لا بل النادرين الذين وقفوا في وجه سلطة الماضي، الزاحفة تحت نعال الوصاية تلملم فتات الوطن الذي هشّمته، نسي ذكاءُ هذا الإعلامي، أن زين غنى "شو عملتلي بالبد" و"ساكت ما بدك تحكي"، شكّل بحينها نواة مقاوة بوجه ظلم سالبي رغيف الخبز وناهبي الليرة ومعها أحلام الشباب.
ثالثاً، و لإنعاش "ذكاء" من وصف زين بالغبي، نذكّره بأن زين هو من ختم ببحّة صوته الجرح المسيحي الأكبر، معه باتت حرب الإلغاء بين الأخوة مجرد ذكرى وعبرة، حينما غنى منذ بضعة أشهر "أوعا خيّك"، أمسى زين من بعدها صوت المصالحة الحقّة بين أخوة الصليب وإكليل الشوك، أخوة الحجر المدحرج والرداء الأبيض لإبن يوسف ومريم.

رابعاً، كدفع إضافي في مستوى الذكاء عند الناعت، نذكّره بأن المنعوت أيّ زين، هو من غنى "الختيار" فكان أول فنانٍ يزور بصوته المنسيين في بيوت الراحة، المتروكين من قبل الضمير و الإنسانية ومن قبل إعلام كالذي يقدّمه "الذكيّ". غنى لهم وأطرب ضميراً نائماً ربما صحا بعد غفوةِ النكران.
أزمة الرايتينغ ليست حجة، القدح ليس وسيلة، والشهرة الموهومة، تُحتضر.
سلام الزعتري إعتذر، لأن الضمير إستفاق بعد طنين منّبه الحق وأصوات الناس، لكن الإعتذار عبر التويتر لن يُسمع، الإعتذار يجب أن يكون على الوسيلة نفسها التي خرجت منها الشتيمة، أيّ التلفزيون، فمن جرحتهُ الشتيمة "المرئية المسموعة" لن يطفئ ناره إلا الإعتذار "المرئي المسموع".
زين، ذكي، هو ذكيٌّ بعطاءاته، ومحبتهِ للفن. لإخلاصه في الأداء والعمل. زين ذكيّ لأنه ترك لنا ذكريات مع كل أغنية نرددها ونقول، زين .... يا زين العمر .