إعتلى المنابر باكراً، وتوّج ملكاً على عرش الشعر الزجليّ والعاميّ، ورث التاج أباً عن جدّ، هو موسى زغيب الذي يختصر في اسمه تاريخاً عريقاً من مجد الشعر الزجليّ الذي حمل لواءه وترأّس أهمّ جوقاته بداية في جوقة خليل روكز التي تغير اسمها إلى جوقة القلعة، فبرز زغيب شاعراً منبرياً مميزاً يجمع البداهة والارتجال، ويتنقّل في حقول الشعر مدحاً ورثاءً، تحدياً وغزلاً.

يقول الأديب جبران خليل جبران عن شعراء الزجل إنهم "شعراء فطرة.. يسكبون أرواحهم في كؤوس جديدة" أما الزجل فمسيرته طويلة كان قد بدأها أمراءُ الزجل منهم على سبيل المثال رشيد نخلة، خليل روكز، أسعد سابا، إيليا أبو شديد، أمين الريحاني، جبران خليل جبران، أسعد الخوري الفغالي ميشال طراد وأسعد السبعلي، وسعيد عقل ..

ويقول بولس سلامه: “لبنان وزجَّالوه كما الشمس وضَوؤها .. إن الأرز والزَّجل منبتهما لبنان"

وطّد خلال مسيرته الشعرية الزجليّة علاقته بالمنبر حتى اتحدا في صنع الجمال والشّعر الرّاقي. جال وصال في أنحاء العالم حاملاً سيف الكلمة متنقلاً به بين بلد وآخر، في كفّ هموم وطنه وفي كفّ هموم الشعر الزجليّ.


كيف لا؟ وهو ابن حراجل الكسروانيّة وابن عائلة متجذّرة بالوطنية، وحفيد جدّ وابن والد متشرّبين للزجل وأحد أهمّ شعرائه. من هنا يؤكّد موسى زغيب في حديثه إلى موقع "الفن" أنّ عائلته متأصلة في الزّجل وأهمّهم جدّه الزجّال، ثمّ مع والده الذي كان يغنّي في المناسبات العامة وصولاً إلى أهل قريته "حراجل" الذين يولدون شعراء بالجينات.
رهن حياته للزجل والفنّ، وقدّم حياته لهما، ويقول :"كنت قريباً للدفّ "تعب منّي وأنا تعبت منّو، أخدت مجدو وأخد منّي شبابي". أمّا الزجل فماذا أعطاه؟ يقول: "هذا الفنّ أعطاني اسماً يتناقله المحبّون في كل أقطار العالم."

بدأ الغناء على المنابر إلى جانب والده منذ أن كان في الـ 15 من عمره، وصدح بصوته أشعاراً لخليل روكز وشحرور الوادي وعلي الحاج. وبعد ذلك أسّس جوقة خاصة به هي جوقة باز الجبل ثمّ جوقة "خليل روكز" فجوقة القلعة التي مرّ بها 18 شاعراً خاضات عدة مباريات ودارت حول الكرة الأرضيّة 7 مرّات وغنّى خلال مسيرته مع أهمّ أقطاب الزجل اللبناني خلال فترة 1920 و1980 منهم عبد الخليل وهبي، زغلول الدامور، محمد المصطفى.


بحسب رأي الشاعر موسى زغيب فان الشعر يجب أن يكون مميّزاً عن باقي الشعراء، ويجب أن يتمتّع بحنجرة قويّة وفريدة، وأن يتمتّع بالصبر، وأن ينمّي ذاكرته لأنّ الشاعر على المنبر عليه ان يلقي 400 بيت من دون قراءتها.

في رصيد الشاعر موسى زغيب أكثر من كتاب شعر أصدرها بالتتالي وأعيد طبعها مراراً وتكراراً، نذكر منها "قلم ودفتر" الذي طبع مرتين، وكتاب "أنا والسهر" وكتاب "وصايا". هو الذي طوّر في الشعر الزجلّ فنقله إلى مرحلة جديدة لم يعرفها الزجل قبله، فكتب وغنى موضوعات جديدة ومتنوّعة من الموت إلى الحياة فالحبّ ومعنى الوجود إلى التأمّلات والغزل.


لم يتوان يوماً عن تلبية الدعوات الموجّهة إليه بل كان حاضراً دائما في المناسبات جميعها ولم يتوان عن دعم شعراء الزجل الصاعدين، فأطلق برنامجاً ضجّت به الأخبار هو برنامج "أوف" الذي حقّق أعلى نسب مشاهدة، والذي خرّج الآلاف من الشعراء الذين حملوا مشعل الزّجل ليضيئوا به ليالي لبنان المنبريّة.

ويؤكّد زغيب أنه ليس خائفاً على الزّجل من الزوال لأن هناك شباباً جديرين بحمل لواء الزّجل لرفعه عالياً بعد رحيل عمالقته. ويشير هنا إلى أنّ العمالقة لا يأتون إلا دفعةً واحدة على الصعيد الفنيّ.


كما يوضح زغيب في حديث إلى موقعنا ، أنّ تراثنا الفني مبنيّ على الزّجل ولولاه لما كان هناك من أغنية لبنانية، فالرحابنة كانوا يحضرون حفلاتي ويسجلون أشعاري على ورقة ليستخدموها في أغنياتهم ومسرحياتهم. وعليه يشدّد زغيب على أنّه من أغزر الشعراء في لبنان وليس لديه "شروقية" تشبه الأخرى.


أخيراً لا ننسى أن نذكر أهمّ الحفلات التي شارك فيها: حفلة قلعة بيت مري، حفلة المشرف، حفلة نادي حبوب، حفلة زحلة الزجلية وغيرها من الحفلات في لبنان والعالم.


وهنا من أشعاره:


وهديو لأبوكي وما كان القصد كرمالو مرة سحرني الهوا بألب القفص عصفور
يسهر يغني لكي وتفغي عاموالو كرمال عينك إذا بدك غناني طيور
تسلل ومن فتحة الفستان ضوالو بالليل جبتي القفص عاغرفتك والنور
العصفور هيدا أنا ورح ينشغل بالو وما كان عندك علم تاتستري المحظور
وطيور خلف الحرير عازوقن يلالو ولما كشفتي الدهب صار العجين يفور
بدو يدوق الحلا ومش قادر يطالو وبلش بهاك القفص يتحرقص ومقهور
صارو طيور التلج يتغنجو قبالو ولما دلقتي الدهب عشراشف المقصور
يشبق بهاك القفص حتى قتل حالو تشردق بدمعو وبقي بين العتم والنور

من إفتتاحية حفلة "بيت مري"

أنا .. إنْتُو ..
أنا لا تِسْألوني
لَشو طَلِّ القَسا بْعِقْدِة جْفوني
فْطَمِتْ جُودي بَعْد ماكِنْتْ بَيْدَرْ
يِجُو .. حَبِّة وْحَبِّة .. يْنَقُودوني
كِنِتْ إسْهَرْ
وْشوف اللَّيْل أقْصَرْ مِنِ الْحِلْم
الـْ عمِ يْداعِبْ ظْنوني
وْما قِدْرِتْ عَ السّْريرِ الأمّْ تِسْهَرْ
لَو ما تِشْتِري يَقْظِةِ عْيوني
طْلَقِتْ فِكْري
بْجَوانِحْ نِسِرْ أسْمَرْ
وْصارُو يِرْفَعوني وْيِرْفَعوني
حَتَّى صِرْتْ شُوفْ الأرْض أصْغَر مِنِ اللِّي عَ التَّحَدِّي بْيِطِلْبوني
وْصِرِتْ
مِنْ حارْسينِ النَّارْ أكْفَر
وْجَنَّنْت الْعَواصِفْ مِنِ جْنُوني
وْما جَنَّنِّي الزَّمانْ
وْلا الِمْقَدَّرْ
فقَطْ أهْلِ الِمْعَنَّى جَنَّنُوني
وْما جاييْ بْرِفْقِة الزَّغْلولْ إكْبَر
عَ أحْلام القَساوِة ..
واللِّيُونِة
جاييْ بْجَوْقْتي تَوِّجِ الْمَنْبَرْ
وْخَلِّي
بْقَلْب هاللَّجْنِة الكَريمِة
الـْ بَعْد مابْيَعِرْفُوني
يَعِرْفُوني
*********
كان الشِّعِرْ مِينا بْلا مَنارَة
وْدَهَبْ مَدْفُونْ بِزْوايا الِمْغارَة
رِجِعْ ميشال (1) هالْحَفْلِة تْبَنَّى
لَقَى مْحِبِّينْ
مِشْ صَفْقِة تِجارَة ..
الـْ كانو يِهِرْبو بالأمْس مِنَّا كأنُّو بْكاسْنا عَدْوى وْمَرارَة
إجُو يِتْأكَّدُو إنُّو المْعَنَّى حِلِم أبْيَض
بِعَيْنَيْن العَذارى
يازَغْلُول لَوْالمَوْت امْتَحَنَّا
ضَرُوري نْقابِلِ الدَّهْرِ بْجَسارَة
دُرُوبِ الشَّاعِرِ رْماحْ وْأسِنَّة
وْعَ تُمُّو الضِّحْك
وِبْقَلْبُو المَرارَة
زَجَلْنا ..
مْلاحِم فْلِسْطين غَنَّى .. وْكَشَف كِلِّ الْوُجُوه الْمُسْتَعارَة
وْإلي
بْإسْمِ المْعَنَّى في وَطَنَّا
عبارَة
للرَّئيس وْللْوَزارَة:
إذا مْهاجِر بِأرْض الْغَرْب جَنَّى وْإلُو عَ مَوْطَنو
شَوْق وْحَرارَة
وْإذا بَدْكُنْ يْرَوِّجْ لَعِنَّا
وَدُّولو بْإسِمْ لبْنان شاعِرْ كَإنْكُنْ عمِ تْوَدُّولُو سَفارَة
********
زَجَلْنا احْتَلّْ ذُرْوِةْ إزدِهارُو
وْفَرَض، عَ كِلّ مَوْقَفْ،
إعْتِبارُو
انْطَلَقْ عَ الْكَوْن مِنْ سِجْنُو المْأبَّد
تـَ يَعْطي النَّاسْ
فِكْرَة عَنِ عْيارُو
المِطْران الِقْلاعي (2) إبِنْ لِحْفّدْ، تْغَنَّى ..
والزَّجَلْ جَلَّلْ وِقارُو
والبَطْرَك العاقوري (3) تْوَدَّدْ
لـَ هااللَّون الحُلُو
وْبارَك ثْمارُو
وْحَتَّى مارْ افْرامْ (4)
بْكِلّْ مَعْبَدْ أناشيدُو صَلا للدِّيْنْ صارو
وْ فخر الدَّين (5) للأزجال عَدَّدْ
وْقَصيْدُو للجَبَل رَجَّف حْجارُو
وْ ناصيف اليازجي (6) البَحْرَين أوْجَدْ
رِبي بْدَمُّو المْعَنَّى
وْما اسْتَعارُو
وْ إبِن نَخْلِة (7) نشيد الأرْز أنْشَدْ
الْلُّغة رِبْيِتْ عَلى خْميرِة دْيارُو
وْإلا بالمْعَنَّى ما اسْتَشْهَد
أميرُو وْسَيِّدُو (8) وْرافِعْ شِعارُو
وْ عَ أيَّامُو
إجا الشَّحرور أسعد (9)
جْناحُو مِنْ سَما بْدادون (10) طارو
وْعَيْنَيْن الملِك فاروق (11) جَمَّدْ
عَلى كَرِّة قَصيْدُو وْإبْتِكارُو
وْطريق الشِّعْر للجَوْقاتْ
عَبَّد تـَ حَتَّى الكِلّ يِقْتِفْيُو أثارُو
وْإجا روكز (12) عَلى المَنْبَر
تَمَرَّدْ تَمَرُّدْ سيف عَمْ تِلْعَب شْفارُو
وْبَعْد ما بَدَّل وْطَعَّم وْجَدَّد
وْنال مْنِ الثِّقَة إكْليلْ غارُو
افْتَتَح دَرْب التَّحَدي بْقَلْب أبْرَد مِنِ التَّلْج
اسألُو الـْ عِلْقُو وْتَبارُو
وْبِقي الجَوْق الخَليلي
حِصِنْ أصمَدْ مِنِ الْحِصْن الـْ كِعي اسكنْدَرْ (13) حِصارُو
بِقَفْلِة حاجْبُو
في ليل أسوَدْ عَ هالْعِمْيان ما بْيِطْلَع نْهارُو.
وْهَوني ..
بِنْصَح الزَّغلول يِبْعَدْ .. أشْرَف ما يْتَلِّتْ إنْكِسارُو (14)
وْبآخِرْ مُلْتَقى ألله بْيِشْهَد ..
بِقَلْب الدَّيْر (15)
أيَّا جَوْق مِنَّا بَدُّو يْلُوح بَيْرَق إنْتِصارُو