أقيمت عصر أمس في الحركة الثقافية في دير مار الياس أنطلياس ندوة حول كتاب المؤرخة لينا المر نعمة "فتاوى وكاريكاتور" Fatwas Et Caricatures والذي بدأت نعمة بكتابته عقب مجزرة شارلي إبدو حيث تضيء نعمة على خطورة التكفيريين والتحريض على القتل .

تحدث خلال الندوة الأب العلامة مارتن ماكديرموت اليسوعي ، الكاتب والمخرج شربل خليل ، وكانت كلمة للمؤرخة لينا المر نعمة .

الأب العلامة مارتن ماكديرموت اليسوعي قال :"عندما نشاهد أطفالاً يلعبون في ملعب المدرسة، نراهم أحياناً يتشاجرون، وسرعان ما نسمع أحدهم يصرخ :"هذا ليس عادلاً!". من زرع في رأس طفل صغير فكرة العدالة، وفكرة أن هذه العدالة يجب أن تشكل القاعدة المُلزمة التي تنطبق لا على الطفل الذي يصيح :"هذا ليس عادلاً" وحسب، بل على جميع الآخرين. وإذا قال أحد الصبية "أنا الأكبر حجماً والأقوى، فأنا إذاً على حق، وعلى جميعكم أن تنفذوا ما أقوله"، فسينشب شجار، لأن الآخرين سيعتقدون أنه مجرّد بلطجي وسيقاومونه...".

وأضاف :"قد تكون فكرة الطفل الصغير عن العدالة وما تنطوي عليه بسيطة وبدائية، ولكنها ستنمو معه وسيصقلها من خلال تأملاته الخاصة وما يتعلمه من الآخرين، من خلال المسار الذي نسمّيه التعليم. أما أساس ذلك فيكمن في المبادئ الأخلاقية القليلة التي تُعرف بالقانون الطبيعي. فالله قد كتب في قلب كل رجل وإمرأة قانوناً، مفاده أن علينا أن نسعى إلى الحقيقة وأن نحبها، وأن نرذل الباطل. فينمو الطفل ويتأمل في الأوضاع الجديدة، ويستخدم كمثل أداة في ذهنه تجعله يقارن وضعاً معيناً بالمبادئ التي إمتلكها منذ البداية ونما معها".

وتابع ماكدرموت :"هذا هو الضمير، وهو الطريقة التي تتيح لفكره تمييز الخطأ والصواب: "إفعل هذا. لا تفعل ذاك، هذا صحيح، وذاك خطأ". فإذ يكبر وينمو، يكتشف أنه يستطيع إطاعة ضميره أو عصيانه. وإذا عصى ضميره، سيتضايق في البداية. وإذا إستمر في عصيانه، فسيضمحل صوت ضميره تدريجياً. وقد يطوّر عادة تجاهل ضميره ليتبع حوافز أخرى بدلاً منه، كالمصلحة الشخصية، أو الرغبة بالأمان أو اللذة أو السلطة أو المال".

وقال :"وقد يستخدم أيضاً عقله لتبرير قيامه بما يتعارض مع ما يقوله ضميره. وتُسمّى هذه العملية بالـ "عقلنة"، التي يمكن أن تنجح لفترة من الزمن لدرجة أن تنسي الإنسان ضميره، أو تزيّفه، أو حتى تقنعه بأن الزيف هو حقيقة. قد ينهي شاب دراساته المدرسية حيّ الضمير، ثم يدخل مضمار العمل، ثم يجد نفسه في أحد الأيام، وللمرة الأولى، أمام رشوة تُعرض عليه. أو يرى فرصة للغش، لكنه يختار عدم تسمية ذلك غشاً، بل طريقة منطقية لإجراء الأعمال، "لأن الكل يفعل ذلك". ومن هنا ينطلق، وربما يصير ثرياً، أو ما يسميه العالم ناجحاً. ولكن، هل سيتركه ضميره بسلام؟ بعضٌ من هؤلاء الناس ينامون مرتاحين في الليل، فيما يُبقي الضمير بعضهم الآخر صاحياً. الفارق الذي يميّز الأشخاص هو ما نسميه بالشخصية. فالويل لإنسان ضعُف ضميره إلى حد لم يعد يزعجه إذا كان على خطأ".

وأضاف :"العملية نفسها تتم إذا كان على الإنسان أن يحكم على المعتقدات: أي أن يرى الخطأ في بعضها فينبذه، أو أن يتمسك ببعضها الآخر لأنه صحيح. ولكنه يعلم أنه خُلق لأجل الحقيقة، مهما كان الثمن. إلا أن الشخصية التي كوّنها قد تجد أنه من الأسهل عليه أن يكذب على ضميره، وأن يسمّي الحق باطلاً، وأن يسمّي ما يعرف أنه باطل حقاً، لأن ذلك يلائمه أكثر، أو لأنه يقود إلى اللذة أو السلطة أو الجاه أو المال. فإذا كان في الماضي قد أساء إلى ضميره وكذب عليه، فسيكون قد أضعف ضميره، الذي سيكف عن إزعاجه. ونتيجة موت الضمير، فهي أن الإنسان لا يعود يكترث بالبحث عن مشيئة الله واتباعها، فيقرر أن سلامته الخاصة أو نجاحه أكثر أهمية. إلا أن ذلك سيؤدي إلى موت روحه في الحياة القادمة. ولن يرى الله".

وتابع ماكدرموت :"الله هو كاتب الشريعة الطبيعية، وقد وهب كل إنسان ضميراً، وفي النهاية، سيدين الله الإنسان بحسب ضميره. وإن إكراه إنسان عبر ترهيبه بالقتل أو التعذيب على إعتناق إيمان ما والتعبد لرب آخر لا يتناسب مع ضميره (أي فكره الذي يحكم على الخير أو الشر في عمل ما)، هو ظلمٌ يُرتكب بحقه. تكمن كرامة الإنسان الأساسية في قدرته على السعي إلى الحقيقة، وحب الخير. ومن واجب كل دولة أن تتيح له حرية القيام بذلك. فإرغام الإنسان على إعلان أحقية أمر وهو يعرف أنه باطل، أو على التصرف بما يتنافى مع ما يعرف ضميره أنه، خير، أو على القيام بعمل يعرف أنه شرير، أو على مخالفة إرادته الحرة، يتعارض مع كرامته الأساسية. وعليه أن يرفض ذلك، بأي ثمن.

ويكمن واجب الإنسان الأساسي في اتباع الله، لأنه حق وصالح. فإذا أمرت سلطة دينية شخصاً ما بالإيمان والطاعة لأن تعليمها حق، فعليها أن تبيّن أنه حق وخير. فأي سلطة سياسية دينية تأمرك بأن تؤمن وتطيع تعاليمها، وهي تهددك بخسارة بيتك أو بالتعذيب والموت إذا رفضت، لا تقدّم الأدلة أكثر من البلطجي في ملعب المدرسة الذي يريد أن يُطاع لا لأنه على حق بل لأنه الأكبر والأقوى.

تكمن أهمية هذا الكتاب في أنه يعيدنا إلى الحقيقة. وهو يورد اقتباسات لتكفيريين، مبرزاً حقيقتهم، وكيف يتعدون على حرية الضمير البشري، مّدعين أنهم يفعلون ذلك باسم الحقيقة. هذا الكتاب يدعو جميع المخدوعين أو الذين قد ينخدعوا بهم، ألا يذعنوا لإدعاءاتهم بالبرارة والإستقامة، أو لما يعدون به من مكافآت، بل أن يُطيعوا شريعة الله الطبيعية".

الكاتب والمخرج شربل خليل قال في كلمته :"أنا لا أتعرض للدين الإسلامي وليس لدي شيء ضده ، ولكن مثلما كتبت لينا في كتابها عن أن طريقة الإستراتيجية التي يستعملها الإسلاميون ليسيطروا وينشروا إسلامهم بهذه الطريقة العنيفة ، بأغلب الأحيان ، والتي فيها أسلوب "أننا نلبس ثوب الحمل ونكون ذئاباً" مثل طارق رمضان الذي أعطته جزءاً جيداً من كتابها ، وهذان الأسلوبان أنا عانيت منهما كثيراً ، هددوني وهددوا حياتي كما عانت منهما لينا كثيراً".

وأضاف :"ما إستخلصته من هذا الكتاب أن لينا تحكي عن الإسلاميين ، وطريقة نشرهم بالسيف ، السيف له وجوه عديدة ، لا زالوا لغاية اليوم حين يتمكنون يقطعون الرؤوس ، وهناك سيوف يستعملونها أيضاً ليقطعوا الكلمة ، وهناك سيوف يستعملونها لقطع الطريق ، سيف التهديد وحرق البنايات..كلها سيوف تستعمل لقطع كل ما يقف في وجه هؤلاء الإسلاميين الذين هدفهم ، حسب الكتاب ، وحسب رأيي لأني أتفق كثيراً مع لينا ، السيطرة بالقوة ونشر دينهم وإحتلال بقية الطوائف ، إحتلال الشعوب أو إحتلال إيمان بقية الطوائف".

وتابع خليل :"لينا تتحدث عن طارق رمضان وتسميه Mentir pour seduir ، باللبناني نقول "يتمسكن ليتمكن" ، طارق رمضان يستعمل هذا الأسلوب في أوروبا وأصبح لديه شعبية كبيرة هناك ، وحتى أن هناك أوروبيين مسيحيين يتبعونه ويؤيدونه ، تظهر لنا لينا أنه سيكون يوما ما الوجه الآخر للداعشية ، أنا إن لم أؤمن لا تستطيع أن تجبرني بالقوة أن أصبح مسلماً ، حيث أشارت لينا إلى أن كل اليهود والمسيحيين والوثنيين الذين إعتنقوا الإسلام بزمن النبي محمد تركوا الإسلام بعد موته ، فتعاليمكم لا يمكنكم فرضها بالقوة على أحد ، وهذا ما هو حاصل ضد الإعلام في كل دول العالم إنطلاقاً من كتاب "آيات شيطانية" لـ سلمان رشدي الذي تتحدث عنه لينا في أول كتابها ، وصولاً لـ شارلي إبدو وما حصل ، مع أني لست مع كل ما تقوم به شارلي إبدو لأنه في أماكن تذهب إلى الإهانات للديانات السماوية ولله وللنبي وللمسيح ، ولكن هذه الطريقة التي يستعملونها لمقاومة شارلي إبدو ، أي بالإعدام الجماعي دخلوا و"رشوهم" كلهم بالمكتب ، فليس هكذا تستطيع أن توصل إسلامك وتدافع عنه ، فلماذا يخافون من رسمة ؟ المسيحيون لم يثوروا عندما تناولتهم شارلي إبدو وليس هناك أي مسيحي ترك دينه بسببها".

وقال :"كتبت لينا كثيراً عن فتاوى الجزائري التي فيها كاريكاتور أكثر من شارلي إبدو أو في بس مات وطن أو في أي برامج كاريكاتورية ، وهذه نقطة مهمة جداً في كتابها . أقول للينا مبروك كتابها الذي يعرفنا على إستراتيجية يجب علينا جمعياً الإنتباه إليها ، ليس أن نقف ضد الدين الإسلامي ، ولكن أن نعرف كيف يسعى الإسلاميون للسيطرة على العالم من خلال ما يستعملونه بأسلوبهم هذا من خلال الترهيب والترغيب أو التمسكن حتى التمكن".

المؤرخة لينا المر نعمة قالت :"شارلي إبدو أهانت العذراء والمسيح لعشرات السنين ، أنا كنت مقيمة في فرنسا حين كنت طالبة وكنت أراها في المكتبات والكيوسك على الطرقات ، وكنت أدير وجهي لأنه شيء مقرف ، والمسيحيون لم يكونوا يشترونها وقاطعوها ، وأقاموا عليها دعاوى وأوصلوها إلى الإفلاس ، والجريدة التي تفلس تموت".

وأضافت :"بعد ذلك توقفت "شارلي إبدو" عن الصدور سنين عديدة ، وبعد عودة تأسيسها، لم تكن بصحة جيدة، لأنها لم تجذب عددًا كافيًا من القراء لتغطية مدفوعاتها ، فكان المساهمون فيها هم الرسامين، الذين كانت تتضاءل أجورهم إن لم تكن تبيع بما فيه الكفاية، وكانوا يكسبون المال إذا ازداد المبيع. ورأت "شارلي إبدو" نفسها في ضيق مالي عام 2005 وحينها كانت قضية الكاريكاتور الدانماركية تتصدر الإعلام بسبب العنف الكلامي والجسدي الذي كان يُمارس بسببها ، فأعلن مدير "شارلي إبدو" أنه سينشر الرسوم المذكورة، ولم يتمكن الإسلاميون من منع صدورها ، لكنهم أثاروا ضجة إعلامية سمحت لـ"شارلي إبدو" بمضاعفة المبيع، وبربح أموال إستفاد منها أهم المساهمين".

وتابعت نعمة :"في كل مرة يكونون فيها على مشارف الإفلاس يأتي المسلمون وينقذونهم من خلال التعدي على الصحيفة التي تقوم عن قصد بشيء عن محمد ويكبرونه ، ولكن لماذا لم يتحرك المسلمون عند إهانة المسيح والعذراء المذكورين في القرآن ؟".

وقالت :"طارق رمضان كاذب ، يزحف على الأرض مثل الأفعى ، هو حفيد حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين ، وأنا وضعت صور نسخ في كتابي لأن هناك حاجة ليعرف الناس هذه الأشياء ، فالبنا يقول "نريد بعد ذلك أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسة العربية.." ، هو يعتبر لبنان من وطنه الإسلامي ويتحدث عن الخلافة".

وأضافت نعمة :"يعلم التكفيريون والدول التي تمولهم، أنهم لا يستطيعون فرض الدولة الإسلامية إلا بإتباع خطة "فرق تسد"، لأن غالبية المسلمين في العالم يرفضون هذا الحكم ، لذا يسعون إلى تقسيم الشعوب بهدف إفتعال الحروب الأهلية ، فيدفعون أموالاً باهظة لترويج فتاوى عنصرية تأمر قسمًا من الشعب بتكفير القسم الآخر وذلك بإسم الدين".

لمشاهدة ألبوم الصور كاملاً إضغط هنا .