لم تكن المرة الأولى التي تخرج فيها الإعلامية كوثر البشراوي عن العادات والطباع العربية، فبعد تقبيلها "البوط" العسكري السوري الى استهداف رجال الدولة الى الثورة ، تدخل البشراوي الآن في "جدل عربي" جديد، يسعى الى تصحيح مسار الأمور، ورسم طاولة مصغرة لتطرح فيها القضايا العالقة في عالم بات كله معلقاً بين كف سياسي وآخر ديني، فبين تقسيم الطوائف وزعماء الدولة، طرحت البشراوي الوسيلة الوحيدة للحل وهي طرح القضايا بطريقة أخلاقية وتوضيح وجهات النظر، وإعتمدت نظام الصحافة الحرة وعملت بمبدأ "القلم أقوى من الرصاصة".

ماذا تخبرينا عن بدايتك المهنية، خصوصاً وأنك إنتقلتِ بين العديد من المحطات اللبنانية؟
بدأت في العام 1985 في التلفزة والإذاعة التونسية من خلال تقديم البرامج، عام 1990 غادرت تونس ضمن مجموعة مؤلفة من 3 إعلاميين عندما حصل "إعارة مهنية" للمشاركة في تأسيس أول فضائية عربية، ودخل العديد من التلفزيونات في نطاق الإعارة وشهدنا على ولادة الإعلام الفضائي بمعناها الشامل والعام بمعنى شركات متعددة الجنسيات، وكانت تجربة كبيرة لأن التعامل مع الخارطة العربية ليس أمراً سهلاً أبداً ، ومعظمنا لا يعرف الكثير حتى عن بلده، وهذا ما دفعنا إلى أن نتعرف على الخارطة العربية.

في العام 2000 أجبرت على أن أغادر محطة الـ mbc بسبب إنتفاضة الأقصى ، وهناك قانون في بريطانيا يمنع إطلاق مصطلح "العدو" على إسرائيل، وفي العام 2001 بدأت بقناة الجزيرة وبقيت للعام 2004.

لماذا عن تقديم إستقالتك من قناة الجزيرة؟

إستقالتي من الجزيرة، كانت بسبب عقلية الكفيل والعبودية والإهانة التي لم أستطع تحملها "لا أريد ان أكذب عليك"، ورغم ان معظم عملي كان خارج البلد وكنت في حالة سفر دائم، إلا ان الكرامة لا تتجزأ، ومن الصعب أن تكون إعلامياً حراً وتصف نفسك بالبطل وتتحدث الى الرؤساء والملوك، وأنت أمام مدير قسم تقف أمامه كالعبد أو ذليل، كالموظف الخائف على لقمة عيشه ، وهذا الأمر سبّب لي أزمة صدقاً، إضافة الى بعض الممنوعات، وهذه الفكرة تتناقض مع فكرة الإعلامي، ضد فكرة الحرية، طبعاً هناك العديد من الضوابط، الا انه في بعض الأحيان يمكن التحايل عليها، لكن هناك كرامة لا تمس، واي عقد من عقود الوظيفة لا يشمل حرية الفكر والمعتقد او اللباس أو أي أمور تتعلق بالشخص، نحن نتعاقد على برنامج وليس على حياة.

بعد الجزيرة عدت الى mbc من بوابة العربية، وأيضاً من باب التأسيس لقناة العربي ، وبقيت مع العربية لمدة سنتين، ثم أيضاً بسبب إتفاق ومنع استضافة أي شخص إسرائيلي، وعندما أطل إسرائيلي ضمن مداخلة قدمت إستقالتي فوراً ، انا انسانة حرة بفكري ومعتقدي وانا لا أقبل هذا الأمر، ثم تعاملت مع قناة الحوار التي كان مقرها لندن طبعاً free lancer وبقيت للعام 2008 وغطيت حرب تموز لقناة الحوار، ثم أخذت فترة راحة الى حين بدأت هذه الثورات القاتلة والمفجعة والتافهة، فأصبح الزميل ضد زميله والجار ضد جاره والأخ ضد أخاه، وهذه فوضى تجعل الإنسان في حالة صدمة صدقاً، مما جعلني أحرص على العودة إلى مبدأ مهم جداً، خصوصاً ان كل ما يحصل في البلاد العربية لا يوجد شخص سيفوز في النهاية ، ويجب أن نعترف بأننا كلنا السبب في ما وصلنا إليه ان كنا نعارض او نوافق او لم نتكلم او شجعنا فإننا وصلنا الى قمة القبح والكره والتقاتل، ولا يوجد أي شخص سالم، ولا يوجد إنسان محبوب من قبل جميع الأطراف، هذه فجيعة، وذروة القبح التاريخي، تخطينا المغول والتتار، ألم يحن الوقت لإلغاء الخلاف والدخول في حل عقلاني ومنطقي؟ سنبقى مختلفين على كل شيء وانا لست ضد الخلاف ، ولكن هذا الخلاف تحول الى خلاف بالسكاكين، خلاف بهتك الأعراض ، خلاف بالمحو يا انا يا أنت، هذا ليس خلافاًُ ولكن نحن في حالة حرب، ألم يحن الوقت كي يدخل العقل، ما رأيكم في برنامج لندخل مفهوماً جديداً لمعنى الإختلاف من الممكن ان أكون انا ضدك وانت ضدي، ولكن ليست بلغة السوق "بالزنار ونازل"، وليس بالقتل أو الحرب، هناك جيل جديد يجب أن يتحدى كل الصعوبات لأنهم مهما إختلفوا في الرأي بالموقف لا يجب أن يتحول الى نزاع.

ما سبب وقوفك الى جانب الثورة في تونس وتخليكِ عنها في سوريا ودعمك للنظام الحاكم؟
أنا أعلنت أنني مع الثورة التونسية منذ بدايتها، وقلت رأيي أمام العالم أجمع وعلى كافة القنوات، ولكن عندما أرى سرقات بسبب الثورة إضافة الى دخول داعش من بوابة الأخوان المسلمين أكيد أنا لست مع الثورة، وانا انتظر اليوم الذي أعود فيه الى بلدي لأن تونس تتسع لجميع الطوائف، هذه تونس التي أعرفها وهذه تونس القانون، والتي يجب على كل إنسان أن يعبر عن رأيه فيها ، ليست تونس التي تضرب فيها المرأة بسبب عدم إرتدائها الحجاب، أو قتل شخص بسبب شربه "الخمر" كما حدث منذ سنتين، حتى في الإسلام لا يوجد مرجع يحلل سفك الدماء، لست مع هذه الفوضى طبعاً بل أنا سأتصدى لها بكل ما أوتيت من قوة لذلك نريد كل شيء في مكانه.

نعود الى موضوع سوريا، ويجب أن يكون موقفي كاملاً ، ولكن ما ظهر كانت فقرة من الحلقة ولكنها كانت مجتزأة، ضمن برنامج "كلام سياسة" وأنا مصدومة كيف تشاهد الناس ربع الحلقة، انا إمرأة ضد الوهابية في العلن، حتى أهل السنة هم أول من يحاربونهم.

وعن موضوع "البوط" ، فهذا موقفي أنا، ويعبر عن تأييدي لكل شخص ثابت في الميدان ضد داعش، إن كان من الجيش السوري او كان من المقاومة المباركة المقدسة، أو حذاء اي انسان يرفض أن تدنس أرضه، "داعش" عبارة عن أشخاص "معتوهين" وانا ما زلت على موقفي ، من أراد أن يكون ضدي فليكن ولكن ضمن حدود وبالعقل، ولا يمكنك ان تتحدث عن الشهداء في سوريا ولبنان والعالم العربي أجمع باللغة السوقية.

نحن ضد داعش، ولكننا لسنا عبدة لبشار الأسد، أنا لست سوريا، وانا التونسية الحرة والمتحررة اخجل من ان يكون لتونس يد او اي شخص ضمن هؤلاء الأشخاص الذين يقتلون ويسرقون، وانا ادافع عن اي انسان يرغب في ان يعيش ابنه حياة سعيدة، ووصمة عار ان يكون هناك "داعشي تونسي" بل يجب ان يكون التونسي اول من يقف بوجه داعش لا ان يكون معهم.

ماذا تخبرينا عن برنامجك الجديد خصوصاً وانك كنت قد صرحت مسبقاً بأنه بمثابة "الحلم".

هذا برنامج عربي ولبنان جزء منه، إلا ان لبنان جزءاً من هذا العالم، وهذا البرنامج يريد أن يؤسس للفكرة التي ذكرتها سابقاً وهي أن نتناقش ولكن ضمن اطار من العقل والمنطق والاخلاق، كن ضدي ولكن بأخلاقك، الحرب فيها أخلاق، يجب ان نعود الى الأطر الأخلاقية، وأهم ما في هذا البرنامج انه يتعامل مع الجمهور العربي أجمع سواء أكان معي أو ضدي ، وهذا ما سيجعل جميع الأفكار مطروحة وواضحة طريقة التفكير وغيرها.


العديد من الأشخاص بعد إنطلاق الإعلان الترويجي الخاص بالبرنامج أكدوا أن كوثر تسعى للشهرة، فما هو ردك؟
شهرتي ورائي من منتصف الثمانينيات، والشهرة اي انسان يقدر عليها ، وانا عشت الشهرة وكنت من أول الأجيال التي سطع نجمها، انا هدفي أمة، والناس أحرار كيف يقرأون، والانسان القادر على إعطاء رأيه لا اظنه يبحث عن الشهرة وهو قد يُقتل بعد ساعة، "يخفوا علينا شوي"، و"يحلوا عن سمانا شوي" نحن نقول رأينا وأكفاننا على الأكتاف، وهؤلاء الذين يوجهون لنا الإنتقاد يجلسون في بيوتهم بقرب زوجاتهم، أما نحن فنقف امام الكاميرات، وقد نفقد حياتنا خلال ثانية واحدة، أنا إمرأة أمتلك موقفاً ولدي ابني اريد ان ادافع عنه.

كلمة أخيرة .
هذا البرنامج دعوة الى خصومي والأشخاص الذين لا يعرفونني والأشخاص الذين يعرفونني أيضاً للجلوس سوياً، لقد خسرنا جيلاً، فهل سنخسر المزيد، دعنا نحاول أن نغير، أن نعطي أنفسنا فرصة لتخفيف العفونة بداخلنا.