بين الماضي واليوم فروقات عديدة وكبيرة، وبين مفهوم النجومية ومتطلباتها وشروطها أصبحت المسافة شاسعة بين الأمس واليوم.


مفهوم جديد "للنجومية" ظهر ويصح أن يطلق عليه لقب "نجومية الـ social media" . أصبح الفنان ومنذ اطلالته الاولى يمكنه أن يكون (أو يوهم نفسه والناس) أنه نجم يتمتع بقاعدة جماهرية عريضة ومتابعين بعشرات الآلاف وبمئات التعليقات والاعجابات.
لكل إنسان ، قبل ان يكون فناناً ، حرية اختيار ما يريد وأن يسلك الطريق التي تريحه وأن يقوم بما يحلو له ويرضيه، ولكن الجمهور لم يعد غبياً وكفانا استهتاراً بعقول الناس. ومع إحترامنا لكل طبقات المجتمع فـ"شوفير السيرفيس" كما النجار كما المهندس كما الدكتور والى ما هنالك من طبقات في مجتمعنا المتناقض، كلهم يعرفون من هو الفنان الحقيقي ومن هو ذلك المزيّف ، الكل يعرف أن هذا الفنان هو صاحب صوت طربي أصيل ويدركون أيضا أن الآخر هو مجرد فنان من ورق يأخذ الفن كـ business للشهرة والنفوذ وليس كرسالة ومتعة ولتنفس الصعداء من خلاله.
كم عدد متابعين هذا الفنان ؟ وكم زادوا في الأشهر الأخيرة؟ وكم عدد "اللايكات" والتعليقات التي نالها على هذه الـ post؟ ومن تغلب على من؟ ومن تفوق هذا الشهر بملايينه؟ كلها أسئلة ظهرت في عصرنا هذا سواء بين الصحافيين أو بين الجمهور لكن الكل يعرف أن تلك التعليقات تحمل بغالبيتها شتائم من العيار الثقيل وإنعكاساً لنسبة الجهل المخيفة في المجتمع العربي.
الغريب أن كبار الفنانين واصحاب التاريخ الفني العريق أي الفنانين الحقيقيين لا يكترثون لوسائل التواصل الاجتماعي ولا لعدد المتابعين ولا لعدد المشاهدات على اليوتيوب، فهل يعقل أن تكون فيروز وماجدة الرومي وجوليا ومحمد عبده وكاظم الساهر أقل متابعة ومشاهدة من فنانين عدد أغنياتهم لا يتعدى اصابع اليد الواحدة او ظهروا ببرامج هواة وخرجوا من دون اعمال فنية تذكر حتى اليوم؟!
هنا لا نريد التقليل من نجومية أو قيمة أي فنان، ولكن عليهم أن يعرفوا أن هناك عدداً هائلاً من الحسابات المزيفة والوهمية ومن يعتقد نفسه نجماً لأنه جمّع عدداً كبيراً من المتابعين هو ايضا يتوهم، أين حفلاتهم ؟ وأين ذلك الجمهور الذي يتابعهم بشغف ؟ هل سيتهافت لشراء البطاقات حين يقرر أن يشارك فنانهم المفضل بحفل فني أو مهرجان وهل سيدخل بشغف كي يسمعه ويشاهده؟ وهل سيتعرّف الجمهور عليه اذا التقى به بالشارع ويسارع لإلتقاط صورة معه كما يفعل مع كبار الفنانين؟
مواقع التواصل الإجتماعي ليست مقياساً للنجومية ولكل فنان يعتمد عليها للبقاء على الساحة الاعلامية والفنية نقول إن ألبوماً واحداً مميزاً تعمل عليه بدقة كفيل بإبقاء الجمهور على إتصال دائم بك ، فالسيدة فيروز نسمعها منذ عشرات السنوات ولا زالت الاولى من دون منازع، والفرق كبير بين فنان مشهور ومثير للجدل وبين فنان حقيقي يهب حياته للفن من دون استعراضات سخيفة ووهمية عمرها لن يتعدى الأشهر أو السنوات القليلة.