صوت قدير ، رافقنا في مختلف ظروفنا الحلوة والمرة ، فصاحبة هذا الصوت أنشدت "أرض الحلم" حين كانت أرض لبنان تحت وطأة الحرب ، وقدمت الأعمال الأصيلة التي لا زالت حاضرة في أذهان محبيها ، وأغنت المكتبة الموسيقية العربية بأعمالها العريقة ومنها "أنا والقمر والنجوم" التي لحنها لها الموسيقار ملحم بركات .

إنها المطربة ميشلين خليفة التي تطل بعد غياب وحصرياً عبر موقع "الفن" في هذا اللقاء .

الجمهور إشتاق كثيراً إلى صوت وأغنيات ميشلين خليفة ، ماذا تتابعين من برامج في ظل غيابك حالياً عن الساحة الفنية ؟

أشاهد برامج الهواة ، "ذا فويس" و"ستار أكاديمي" ، ألاحظ أن هناك أصواتاً رائعة في العالم العربي ، أتمنى أن يكون لديهم الحظ والمجال ليقدموا فنهم ويَظهروا ويكون هناك أضواء عليهم ، بلدنا العربي صغير وهذه البرامج تعطي آمالاً كبيرة لهؤلاء الشباب الصاعدين ، لذلك أخاف من أن يُصدموا لأنه أحياناً الفن صعب وفيه طريق كبير من الأشواك وليس كله فرح وإبتسامة وتلفزيون وإبهار ، أتمنى أن تكون أعصابهم قوية وإرادتهم قوية ليتحملوا ويستمروا ، فمن يملك إرادة قوية هو من يستمر ويبقى .

كمطربة كبيرة على مدى عقود مرت ، كم عدد الأشواك التي صادفتها في مسيرتك الفنية ؟

صادفت الكثير من الأشواك ، بداياتي كانت على حرير وورد ، وإذ في وقت من الأوقات مشيت كثيراً على الأشواك فأنزلت مني دماً ودموعاً وجعلتني أتألّم ، وفي المقابل هذه الأشواك أصقلتني أكثر وحمّلتني مسؤولية أكبر وجعلتني أدرك قيمة الطريق الفني المشرّف الذي سرت فيه وأن الانسان يجب أن يذرف دمعة ونقطة دم ليعرف قيمة الفرح وقيمة الورد الذي يسير عليه .

في أي برنامج مواهب تشاركين إذا أردتِ أن تكوني في لجنة التحكيم ؟

أشارك في البرنامج الذي فيه أصوات جميلة ، أجد أن "ذا فويس" جيد جداً ، واللجنة "كويسين" ، كاظم الساهر فنان يستطيع أن يُقيّم ، صابر الرباعي فنان كبير يُمكن أن يُقيّم ، شيرين مطربة جميلة وشفافة وحساسة ، مطربة بكل معنى الكلمة ويمكنها أن تُقيّم أيضاً ، هم يُقيّمون ليس أكاديمياً ، يقيّمون كمسيرة فنان وكصوت يَشدّهم ويدخل إلى قلوبهم ، وإلا فليأتوا بأساتذة أكاديميين وليذهبوا إلى الكونسرفاتوار ليختاروهم.

هم يقدمون البرنامج بهذه البساطة الجميلة على أن هؤلاء الفنانين الذين هم في اللجنة تعبوا وبكوا ويعرفون ما معناه أن هذا الفنان يريد أن ينطلق ، وأنا أسمعهم يقولون "آه" هذه الـ"آه" ليست أبداً مدروسة بل هي تلقائية نابعة من أعماقهم ، وهذا أمر يُفرح أن يكون في لجنة التحكيم هكذا أشخاص ، لا يستطيعون أن يعطوا الجميع حقوقهم ، شروط اللعبة "سئيلة" يعني مثلاً هناك الكثير من الأصوات أخرجوهم في حين أنا أبقيهم ، لكن أنت تعلم أنه يجب أن يكون هناك رابح واحد ، هي لعبة جميلة لكن على الباقين ألا ييأسوا لأن هناك كثيرين ربحوا وجلسوا في منازلهم ، وكثيرون لم يربحوا وأصبحوا نجوماً كبار .

إسم إحدى أغنياتك الرائعة "متأسفين" ، على ماذا أنت متأسفة فنياً ؟

أتأسف على الكثير من الأمور الفنية ، هناك أصوات جميلة وملحنون كبار وشعراء وفرق موسيقية كبيرة وهناك إمكانيات في التلفزيونات إنما يُسلطون الأضواء على الشيء الجيّد جداً وفي المقابل يُسلطونها على أشياء تافهة لا معنى لها "بيعبّوا هوا فيها" والناس تيأس ولكنها في النهاية تتقبل ذلك على مضض "العالم بدا تتسلى بدا ترفيه بالنتيجة" ، هذه الأمور تؤثر على مشاعر كل فنان أصيل وجيّد ، بالنسبة لي لا يغصبني هذا الأمر بل على العكس أشاهد معهم ، وعندما أريد أن أقدم شيئاً أعرف كيف أضعه في وقعه وأين يجب أن يكون ولمن أقدمه ، لدي أمل كبير في داخلي حين أقدم على أي خطوة .

رافقناك حصرياً من موقع "الفن" في زمن الميلاد خلال توزيعك الهدايا لأطفال منطقة النبعة مع جمعية "بيتنا" ولمسنا حبك للأطفال وإنسانيتك الكبيرة .

شخصياً لدي عقدة الأطفال ، ولدي عشق كبير للطفل ولكل شيء يخص الطفل ، دائما في الأعياد والمناسبات الناس يفرحون ربما بالهدايا أو أن يشتروا ثياباً ، أو أن يقيموا حفلات وولائم ، جمعات العيد جميلة جداً ، لكن أجمل شيء عندي هو أن أرى فقيراً وأفرحه وأمسح له دمعته وهذا منذ كنت طفلة ، أذكر من لما كان عمري سنتين كنت أجلس في المنزل ، حين كنا لا زلنا نقيم في طرابلس الميناء ، أنتظر الفقراء كل يوم جمعة ليأتوا جميعاً إليّ لأعطي كل واحد منهم فرنك ، وإستمر هذا الأمر معي وعلمته لأولادي.

"جو" و"الياس" ولداي أصبحا شابين ولكن لديهما حب العطاء ومساعدة الناس ، نحن أشخاص عاديون وبسيطون ولكن الإنسانية في داخلنا كبيرة ، ولدينا في داخلنا حنان كبير ، فأنا عندما أرى في هذه الأيام هذا الدمار والقتل وهؤلاء الأطفال الذين يموتون ، أتألم جداً ، ما من شيء يعطيني السعادة والفرح طالما هناك أشخاص يموتون ظلماً .

العالم الماضي شاهدت على الشاشة الأطفال المشردين والمهجرين هؤلاء أولادنا ، سائرين على الثلج من دون جوارب ، أنا مرضت ، مرضت فعلاً وأخجل أن أقول ذلك ، ولكن هذا كلام صادق من صميم قلبي ، من قلب أم ، أنا أم أتألم لإبني إن إحتاج شيئاً لم أستطع أن أؤمنه له فكيف حال هؤلاء الأطفال ؟

لم أستطع أن أقوم بهذا الواجب النسة الماضية ، لكن هذا العام والحمد لله ، أحاول أن أقدم هدايا صغيرة لأرسم بسمة على وجه طفل ، أجمل شيء للأطفال هو الهدية على العيد ، واليوم لم يكن هذا الحلم ليتحقق لولا مساهمة الأستاذ عقيل صديقي وأخي وزوجته اللذين أعتبرهما نصفي الآخر ، وهما ساهما في هذه الألعاب وكانا يريدان إرسال المزيد ، أطال الله بعمرهما.

متى ستطلقين عملاً فنياً جديداً ؟

يجب أن أبدأ بالتحضير لجديدي ، لقد وضعت مخططاً كبيراً في رأسي ، وفي المقابل بغيابي ألمس محبة الناس لي وإلى أي مدى محبتهم كبيرة ، هم مشتاقون لي وأعرف قيمتي عندهم ، لذلك ليس هناك خوف ، عندما أعود بعمل كبير جداً ستكون الناس كلها متشوقة لأنها تسمع وذواقة وتحب الأعمال الجيدة .

في الختام ، ما هي أمنيتك بالعام الجديد ؟

أتمنى أن يحل السلام في العالم كله وألا يبقى أي طفل حافياً أو جائعاً ، هؤلاء الأبرياء الذين يموتون كل يوم بكميات ، بالمئات والألوف ، سابقاً كان هناك قيمة للميت ، "هلأ ما بقى حدا إلو قيمة ، بيموت واحد بيقولوا منيح الحمد لله مات واحد بس ، مات عشرة الحمد لله مش أكتر من عشرة مش مية" ، شيء مؤسف جداً ، أصبح هناك تجارة الموت ، أتمنى أن يكون الإنسان إنساناً فعلاً ، وأتمنى من الأشخاص الذين يتسببون في هذه الحروب أن يعودوا إلى ضمائرهم لأنهم في النهاية سيموتون وسيواجهون ربّهم "ما حدا أكبر من حدا بالدني وما حدا أكبر من ربه" ، أتمنى أن تصحو الضمائر ليحل السلام لأن وطننا العربي "بياخد العقل" وهو مليء بالأشياء القيّمة وبالأدمغة "اللي بتاخد العقل" ، وطننا العربي صغير "بس كل العالم عينها عليه" ، أتمنى أن يكون عقلهم كبيراً و"ما يفوتوا فيهم الغرب بقى ويدمروه أكتر ما عم يتدمّر".