لا يُختصر التمثيل بين البلدان بالسفراء والقناصل وممثلي المكاتب الدبلوماسية، خصوصاً في زمن أصبح فيه السياسي أسوأ ما يتمّ عرضهُ على واجهة الأوطان العربيّة ، فدارت البندقية من كتف السياسة إلى كتف الفن.

هم الكبار من يلتحمون بالتاريخ ولا تحدّهم جغرافيا، هم سفراء ، قناصل ، وزراء، زعماء، بإستفتاءات ضميريّة لا لُبس فيها ولا تزوير.

لبنان الذي صنّع وصدّر الكبار، يعيش إكتفاءً ذاتياً مما تبقى من زمن الفونوغراف واللياقة، من زمن الإبداع والتفرّد ، "أبو مجد" هو الحاضر أبداً في ذاكرة الماضي ووفاء الحاضر، هو النشيد الوطني الفنّي، لا من يجهله، لا من يتردد في ترداده. أبو مجد، وأبو أمجاد هذا الوطن الصغير-الكبير، خيرُ ممثلٍ لأرضنا، لجرحنا، لثورتنا المستدامة، لأفراحنا الخجولة، لغضبنا ، لخبزنا، لملحنا، هو خير صورة لبنانية بسُمرة الجباه وجنون التنوّع والإختلاف.

ملحم بركات، من كفرشيما إلى عواصم صنع القرارات وعواصم تنفيذها، على مسارح الكون غرز صوته أرزة لا تبالي برمال صحراء عربية أو صقيع جبال أوروبيّة، أو فورة أحلام أميركية. فهو ملحم بركات، للجميع، للحالم، للعاشق، للواهم، للخيبات والإنتصارات، في أغانيه لبنان بكل جنونه الإبداعي الخلّاق، في أغانيه حرية حياة إنسانية ، وحريّة تاريخ جبراني.
أبت سنة 2015 أن تنتهي في بلد العقبة إلا بصوتٍ يشبه عنفوانها الهاشمي ، فلا أبو مجد غريب على البتراء، ولا نهر الأردن بعيد عن عاصينا ، حيث أحيا الموسيقار ملحم بركات حفلاً في الأردن لختام العام الماضي، عدّت العدة وإكتمل نصاب فريق العمل ، بيعت البطاقات بسرعة شهرة الموسيقار الضوئية، وضُبطت الساعات على توقيت اللهفة ونبضات الشوق.

صعد أبو مجد على المسرح، وصعدت معه أسهم بورصة التصفيق المستمر، هي أغانيه، يعرفها الأردنيون والعرب كما يعرفون لغتهم الضاد، لا يغفل عنهم لا قديم ولا جديد، تمايلوا زهواً على ألحانهِ التي لا تُقتبس ولا تُقلّد ولا تحمل حسداً وإستنساخاً.
ولأن الكبير كبير بمساحة الدعم والمحبة، فقد شارك الموسيقار موهبتان من زمن حالي طاغٍ، وهما الفنانة الفلسطينية رلى عازار ، والنجمة اللبنانيّة مايا دياب ، شاركتاه في الحفل لتضيفا جرعة عصرية جديدة على نكهة عراقة الفن الماضي ، فكانت أنجح حفلة بعمان بإعتراف المتعهدين الذين كانوا ينظمون أكثر من حفلة ، وخصوصاً متعهد الحفلة الياس نعمة .
أبو مجد ، على عكس ماضينا السياسي، هو وإلى جانب الكبار الآخرين، لمحة نور تكسر ظلمة الحروب وتقهر الروتين، أبو مجد، بأغانيه ينشر لبنان في العالم كحبوب قمح تزهر سنابل نجاح ، غذاء روح إلى حد التخمة.
أبو مجد، بل أمجاد.