فنان بالفطرة رسم لنفسه خطاً مستقلاً لا يشبه أحداً، متطور بإطلاعه على العصر، مواكب للفن ومؤثّر فيه، الموسيقى بالنسبة اليه غذاء للروح، وسلاحه الذي يدافع به عن نفسه ووطنه وهويته.

يصر دائماً على تقديم الفن الراقي ويمشي بعكس التيار السائد، ويبقى همه الدائم إيصال الصورة الحقيقية للبنان، وللمواهب اللبنانية الشابة الى الخارج.

الفنان مايك ماسي يحلّ ضيفاً على صفحات موقع "الفن" في الحوار الاتي .

قبل سنة أطلقت ألبوم "نسيج" مع ساري وعياد خليفة..كيف كانت الأصداء؟
الأصداء كانت موسيقية أكثر منها نجومية، وهذا العمل كان بمثابة إختبار لنفسي ولقدراتي الموسيقية، وإختبرت فيه معلوماتي الموسيقية وجرأتي، بالإضافة الى أنه أنجز من 3 أفراد أنا وساري وعياد خليفة وكنا المؤلفين الموسيقيين لكل الأغاني، وهنا تختلف طريقة العمل من حيث تعدد الأفكار ما يعلّمك أهمية العمل الجماعي، وقد نتشارك في النجاح أو الفشل.

هل أخذ الألبوم حقه كما يجب، خصوصاً أن ألبومك الأول "يا زمان" حقّق نجاحاً ملفتاً؟
لم يكن هدفي من ألبوم "نسيج" تحقيق النجاح الجماهيري، بل النجاح الموسيقي، ولم أعتبر هذا العمل أنه سيصل الى شريحة كبيرة من الجمهور بطريقة سريعة، لكن لدي إيمان ويبقى أن هذا العمل سيصل الى الناس بطريقة مختلفة عن ألبوم "يا زمان"، كون "يا زمان" سهل ممتنع وقريب من الناس، أما "نسيج" فموسيقياً أصعب، وهذا يتطلب من الجمهور أن يستمع اليه اكثر من مرة حتى يتعوّد عليه، وبالنسبة لي هناك شيء واحد إسمه موسيقى، والجمهور لديه الحرية في إختيار ما يحلو له.

كيف كان التعامل مع ساري وعياد خليفة في ألبوم "نسيج"؟
بصراحة كان التعامل معهما كتعامل الأب مع أبنائه، وذلك بداعي القدرة الموسيقية التي أمتلكها والعمر، وأيضاً كوني الأب الروحي للفكرة، لكن ما يجمعنا هو المغامرة وحب الموسيقى وعدم التخطيط المسبق، فعندما تحسب لكل الخطوة قد يتملكك الخوف ما يؤدي الى حبس الموهبة أو القدرات التي تمتلكها، ولو خفنا لم نكن سنتجرأ لتقديم هكذا عمل خطير، وخطورته عليّ أكثر من ساري وعياد.

يُقال أنك عنيد في عملك؟
أفضّل إستخدام كلمة إصرار أكثر من كلمة عنيد، وإصراري هذا كان من أول عمل موسيقي قدّمته، كون البعض كان يسألني عن مدى قدرتي على العيش من خلال أعمال ليست تجارية، وسأبقى مصراً على ما أنا عليه، وأن أعيش بالموسيقى التي أقدّمها.

هل ترددت قبل تقديم قصيدة "يا نسيم الريح" للحلاّج في ألبوم "نسيج" بأسلوب جديد، خصوصاً أن الفنان مارسيل قدّمها قبل 13 عاماً ؟
لا شك بأن "يا نسيم الريح" أخذت شهرة حين قدّمها الفنان مارسيل خليفة، لكن هنك فنانين آخرين أيضاً قدّموا هذه الأغنية قبل وبعد مارسيل، وأنا في الحقيقة لم أكن متردداً بقدر ما كان ساري وعياد مترددين لتقديمها، وحتى مارسيل قال لنا إختاروا قصيدة غيرها فهذه باتت مشهورة كثيراً، لكن أصريت على القصيدة وشجعت ساري وعياد، وأعدنا تلحينها من جديد.

وماذا كان تعليق مارسيل خليفة على أدائك للقصيدة؟
بعد أن سمع القصيدة بروحية جديدة، عبّر عن سعادته بها، ونشرها عبر صفحته الخاصة على احد مواقع التواصل الإجتماعي، وقال إن هذه أجمل "يا نسيم الريح" سمعها منذ أن قدّمها هو قبل 13 عاماً ، وأفتخر كثيراً بكلامة وشهادة كبيرة أعتز بها، خصوصاً أن القصيدة باتت أيقونة بعد أن غناها مارسيل.

هل من الممكن أن نراك في عمل مع مارسيل خليفة، أو في تعاون مع نجليه الموسيقيين بشار ورامي؟
شرف كبير لي وأتمنى أن أعمل مع مارسيل، ولكن في كل مسيرتي الفنية كانت أعمالي غير مخطّط لها وتحصل بالصدفة.

كيف كان التعامل مع الفنانة فاديا طنب الحاج في النص الشعري الصوفي للحلاّج "عجبت منك ومني"؟
كان حلماً يراودني قبل 10 سنوات أن أغني مع فاديا طنب الحاج، وقد تحقّق، وأنا معجب جداً بصوتها وشخصيتها ويوماً بعد يوم أصبحنا أصدقاء أكثر، وإكتشفت هذه الإنسانة التي تحمل هذا الصوت المهم، فهي فنانة محترفة ومن أكثر الفنانات إحترافاً من بين اللواتي تعاملت معهم، وصوتها عالمي وبالطبع ليس بحاجة الى شهادتي.. "ويا ريت كتار يتعلموا منها".

كان لديك هذه السنة مشاركات عديدة في مهرجانات عالمية في "كان" وأيضاً في الدول العربية
هذه السنة كانت موفقّة جداً وغيّرت كثيراً في مسيرتي الفنية، حيث كان لي العديد من المحطات وفتحت لي الكثير من الأبواب في أميركا وأوروبا، والحفلات التي شاركت فيها بقطر كانت بدعوة من Jazz at Lincoln Center وليس موسيقيين عرب، وكنت الفنان العربي الأول الذي يشارك في هذه الأحداث للغناء باللغة العربية، وهمي دائماً من خلال مشاركتي في مهرجانات عالمية وعربية إيصال الصورة الحقيقة لبلدي والبلاد العربية الأخرى، بعيداً عن مشاهد الدمار والقتل والعنف، ولكن للأسف هذا واقعنا وأنا من فئة الناس الذين يرفضون هذا الواقع ويطمحون لواقع أفضل وصورة أجمل، وسلاحي الذي أستطيع الدفاع فيه عن نفسي ووطني وهويتي هو فني، وأرفض حمل السلاح وقمع الحريات والحقد والحروب المزيّفة بإسم الله، وبالنسبة لي الفن والموسيقى خشبة الخلاص لنا، والسياسيون فشلوا في إدارة البلد.

كيف ترى المشهد الفني في لبنان حالياً؟ وهل تأخذ حقك كفنان لبناني كما يجب؟
يؤسفني القول أن الحقيقة غير ذلك، فكل فنان يقدّم فناً راقياً ليس له مكان في لبنان، ونراه يعمل في الخارج أكثر، فالوضع السياسي الإقتصادي والثقافي الذي نعيشه يحول دون ذلك، فنحن نتعرّض لعمليات قتل وإغتيال ثقافي.

من هذا المنطلق ترى أنكم تتعرّضون لقمع ثقافي؟
بالطبع، في لبنان قمع ثقافي، ونحن نسلك طريق العالم العربي في قتل الهوية الحقيقية لشعوبنا، وهذا يأخذنا لقتل وإغتيال الحريات، وللأسف لا نطبّق المفهوم الحقيقي للحرية والديمقراطية.

ككل اللبنانيين إستفزك مشهد النفايات على الطرقات، كيف تنظر الى الحراك الذي يجري في الشارع، وهل أنت معه أم ضده؟
بالتأكيد هذا المشهد إستفزني كثيراً، وأنا مع الحراك شرط أن يكون لديه خطة واضحة، ولست مع رفع شعارات كبيرة كإسقاط النظام أو الحكومة، وبالمقابل ليس لدينا رؤية واضحة لما بعد، مع أنني أؤيد تغيير هذا الطاقم السياسي، والبلد على كف عفريت فيمكن أن نقع في المجهول، والان همنا أن ننظّف طرقاتنا من النفايات، ولا نخلط الأشياء ببعضها البعض.

ألم يدفعك هذا الوضع لتقديم فكرة أغنية تعبّر عن الحالة التي نعيشها؟
زملائي الفنانين يقومون بالواجب ونشكرهم على ذلك، من خلال الأغاني التي يقدمونها عن هذه القضية، وعلى الصعيد الشخصي أقوم بما يتوجب عليّ من خلال توعية من حولي بكيفية معالجة نفاياتنا وفرزها.

ماذا عن الدورات التدريبية "Voice Matters" التي تقوم بها؟
الدورة سأقوم بها على مدار 3 أيام في 9 و10 و11 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، و3 ساعات في اليوم، وهي متخصصة في public speaking، وكيفية إستعمال الصوت في أي مجال، وتساعد في العلاقات العامة والتسويق.

كيف كان التعامل مع الفنانة ريمي بندلي في ألبومها الجديد، بعد غيابها الطويل؟
ريمي تواصلت معي في البداية، وعبّرت عن إعجابها بالأعمال التي أقدّمها، وهذا كان له وقع جميل جداً لدي، ومثل كل أولاد جيلي تربينا على أغاني ريمي وهي كانت الأيقونة والمخلّصة للبنان، وبعد تواصل مستمر وتبادل للافكار تبلورت فكرة الألبوم وأنا قمت بالتوزيع والإنتاج الموسيقي لجميع الأغاني والألحان لريمي، وهي شعرت بأنني أستطيع فهم طريقة تفكيرها بالموسيقى، وعلى الصعيد الإنساني أعرف تماماً هذا العبء الذي تحمله بصوتها، بعد غياب 30 عاماً ولا يجب أن ننسى التغيير الكبير الذي طرأ منذ ذلك الوقت على ريمي ، فهذه خطوة كبيرة ولي الشرف بأن نقدّم للناس ريمي بندلي الجديدة، وأصبحت المرأة التي تحمل الطفلة في صوتها وسيتم إطلاق الألبوم في لبنان في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي.

هل في جعبتك أعمال جديدة غير تعاونك مع ريمي بندلي، أو مشاركات في مهرجانات خارج لبنان؟
أعمل على ألبوم جديد، وبدأت بتلحين وكتابة عدد من الأغاني، وهو شبيه بخط ألبومي الأول "يا زمان" السهل الممتنع، ولكن الان لدي نضج وخبرة وإحساس أكثر، يجعلني أكتب وألحّن بطريقة مختلفة، وأيضاً حالياً أقوم بتسجيل أغنية على طريقة bollywood هندي، لمنتج أميركي بالتعاون مع منتج لبناني، وعلى صعيد المهرجانات لدي مشاركات في أميركا وأوروبا وسأقدم ألبوم "نسيج" في ألمانيا وسيبث الحفل على كل الإذاعات الألمانية، وأيضاً لدي لقاءات موسيقية ودورات تدريبية.

كلمة أخيرة .
من أول الداعمين لي كان موقع "الفن"، لأنكم تؤمنون بالفن الحقيقي، وأنا لست من المتابعين كثيراً للصحافة الفنية، لكن أعترف بأني أقرأ موقعكم، وأشكركم جزيلاً..وللبنانيين أقول لا تستسلموا وإبتعدوا عن الأنانية، والتغيير لن يأتي من عدم، بل أنت ستكون التغيير ولا تسكت عن حقك.