غير صحيح أن الذهب وجد قبل صوته، وغير صحيح ان الماس اغلى ، فصوته الذهبي جعل للذهب هذه القيمة الكبيرة، انه الكبير وديع الصافي، انه عملاق الاغنية اللبنانية وعمودها الاول ، إنه إبن نيحا الشوفية الذي ولد في 5 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1921، ورحل في 11 تشرين الأول/أكتوبر من العام 2013، وما ادراكم ماذا قدم بين الولادة والرحيل ؟ انه ابن لبنان ، ابن الوطن والمهجر، انه رفيق الشحرورة صباح في مواسم العز اللبنانية، وشريك سفيرة لبنان السيدة فيروز في وقفات وجولات وصولات غنائية لم يشهد لها التاريخ مثيل.

ألقابه

انه صوت الجبل، الصوت الصافي، قديس الطرب، مطرب الأرز، و عملاق لبنان، هو لم يُبكّر في الرحيل، ولكنه حتما كانت لا تزال تليق به الحياة.

بصورته لوّن حياة بيروت بألوان الفرح

تكريم فريق "أشكمان" للعمالقة الكبار لم يتوقف عند الراحلة الشحرورة صباح، وكنا خصصنا لها ولصورها في منطقتي مار متر الاشرفية والحمرا مقالاً خاصاً، وفي مكان ليس ببعيد عن شارع مار متر حيث تقف الصبوحة ضاحكة للحياة كما عهدناها، قرّر عمر ومحمد قباني تكريم المطرب الكبير الراحل وديع الصافي من خلال لوحة غرافيتي رائعة نفذاها في منطقة في بيروت التباريس، هذه المنطقة التي شهدت على تناقضات كثيرة من وقت الحرب وصولا الى وقت السلم مرورا بما يشهده لبنان اليوم، ربما هي المكان الانسب لمشاهدة هذه الرسمة الغرافيتي العملاقة في هذا المكان بالذات لننسى بشاعة ما شهدته هذه المنطقة في حقبة سابقة من زمننا الاسود، فلمع وجه الصافي على جدران المنطقة، فوجهه وحده كفيل بمسح الاحزان بأعجوبة ، رسم جميل كُتبت في أسفله عبارة "ذهب صافي"، وبما ان دولتنا لا تكرّم رموزها كما يجب كانت هذه اللفتة من فريق "أكشمان" فسحة بيضاء وخضراء وملونة بألوان الحياة ،الحياة التي نريدها ونستحقها.

جايين يا أرز الجبل جايين

عَينا الصافي في اللوحة تسألنا عن "لبنان يا قطعة سما عالارض تاني ما إلا"، وعن "عرزالنا الاخضر" و"عصفورة النهرين"، و"أرز الجبل" و"البيت الصامد في الجنوب" ينادي البحارة في جواره ويسألهم "عندك بحرية يا ريّس"، يناجي عصفور جبل صنين و"رح حلفك بالغصن يا عصفور"، ويسأل "مروان لوين رايح"، ويقول لاولاده طوني وجورج وميلاد ودنيا ومارلين "الله يرضى عليك يا ابني" ، ولزوجته ملفينا يغني "قتلوني عيونا السود".

من البداية الى النهاية وديع الصافي في الطليعة

وديع الصافي من الحياة الى الموت كان دائما في الطليعة، ففي انطلاقته بالعام 1938 فاز بالمرتبة الاولى لحنًا وغناء وعزفًا، من بين أربعين متباريًا، في مباراة للإذاعة اللبنانية من خلال اغنية "يا مرسال النغم الحنون" للشاعر الاب نعمة الله حبيقة، وهو اول من ساهم وشارك برسم خطوط الاغنية اللبنانية من خلال الكلمة البسيطة والمعبرة، اولى اغنياته "طل الصباح وتكتك العصفور" عام 1940،في اول لقاء له مع موسيقار الاجيال في العام 1944 قال عنه محمد عبد الوهاب :"من غير المعقول ان يملك احداً هكذا صوت"، وهو اول من رنّم اشهر صلاة في المسيحية "أبانا الذي في السماء".

وديع الصافي يحمل اكثر من جنسية

يحمل وديع الصافي، الى جانب جنسيته اللبنانية، ثلاث جنسيات هي المصرية والفرنسية والبرازيلية، عام 1989 أقيم له حفل تكريم في المعهد العربي في باريس بمناسبة البوبيل الذهبي لانطلاقته وعطاءاته الفنية، وفي العام 1990 خضع لعملية القلب المفتوح، ولكنه استمر بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء، ووقف بعدها الى جانب جيل جديد وقدم الفن بلون جديد مع المنتج ميشال ألفتريادس، وحقق نجاحا كبيراً الى جانب المغني خوسيه فرنانديز والفنانة حنين.

المشوار الاخير

وفي آخر المشوار عاد محمولاً على الأكتاف وفي القلوب في مشواره الاخير على هذه الارض قبل انتقاله الى الحياة الابدية، عاد ليحتضن تراب نيحا وقلب الوطن في قلبه، ونام مرتاح البال بعدما أرهقته الحياة والسنين.

ولنا موعد ثالت وقريب مع الصوت الملائكي السيدة فيروز التي بدورها زيّنت بيروت ايضا بلوحة غرافيتي عملاقة ولنا معها وقفة جديدة.