بما ان العصر هو عصر محاسبة الفساد والمفسدين قررت الان ان اكتب، وبما ان المحاسبة لا يجب ان تقتصر على فئة معينة او شريحة واحدة من فساد المجتمع، قررت ان احاسب، وبما انني اعمل في مجال الفن والاعلام منذ سنوات طويلة، وامتلك من الخبرة ما يكفي لكي اقول كلمتي، قررت الان ان اقولها وبصوت عالٍ.

الفساد في بلدي لا يقتصر على الطعام الملوث، ولا على المنتجات الملوثة التي بدورها تلوّث جسم الانسان وتحوله لحاملة امراض متنقلة، هناك في المقابل فساد متفش وبكثرة في مجالات الفن والاعلام والصحافة والتمثيل وتقديم البرامج، وكل ما له علاقة بهذه المهنة التي وُصفت يوما بمهنة البحث عن المتاعب ولكنها للاسف اليوم تحولت الى مهنة من ليس له مهنة، وطبعاً لست هنا بوارد التعميم انما وللحقيقة اننا الان اعلاميا وفنيا في عصر فساد لا يقل خطورة عن فساد باقي قطاعات الدولة ، وكما الفساد في السياسة، كذلك في الاعلام ... "طلعت ريحتكن".

انا بالطبع مع التطور والتقدم وطرح افكار جديدة وطريقة اداء مبتكرة تواكب العصر الحالي، والا فإن جيل اليوم سينصرف اكثر واكثر عن الاعلام ليغوص اكثر وأكثر في عالم التكنولوجيا.

صحيح يجب ان يماشي الاعلام عصره ولكن من دون التلهي بالقشور وعدم الغوص في العمق، فجميل مثلا ان نتصبح بصوت انثوي مغناج، يثير الرجال وتحاول النساء تقليده لاثارة الرجال، ولكن وبعدين؟ بعد الاثارة و"المحن"؟ ماذا بعد؟ اين هي الرسالة الاعلامية في الدلع الزائد عن حده؟ وماذا بعد الدلع والدلع يا دلع؟ اين المعلومات المفيدة والكلمات الجميلة واين هي الافادة من الموضوع؟ مهمة الاعلامية اكبر من الغنج والدلع وفي بعض الامرار "العهر"، مهمة الاعلامية والاعلامي ايضاً ايصال اكبر عدد من المعلومات للمستمع بعيدة عن الوعظ والمواعظ.

نموذج آخر وهو هل يجوز على الاعلامي او الاعلامية ضرب المستمع على الهواء ولو عبر الكلام؟ ولا يجوز ان ننهر المستمع لانه طلب اغنية او احب توجيه السلام لزوجته او لوالدته او لاخته واخيه وخطيبته او لاي كان، ولا يجوز لنا تربية المستمع في حال اراد ربما او يقول كلمة صغيرة على الهواء او توجيه سؤال ما او ربما فقط الاتصال والدردشة، طالما الهواء مفتوح للمستمع فعلى الاعلامي او الاعلامية ان لا تلعب دور " الأبلة الناظرة" والا فلتتوقف فقرة الاتصالات بكل بساطة.

وما نسمعه على الاذاعات نشاهده على الشاشات، برامج فارغة من المضمون مغلفة بديكورات كبيرة وضخمة وفخمة، وان تبدلت الاسماء يبقى المضمون واحداً ، اللعب على الوتر الحساس الذي يكفل لنا البلبلة الاعلامية والصحافية في اليوم التالي لعرض الحلقة، والذي يعطينا شرف الحصول على رقم عالٍ في الرايتينغ، وما ادراكم ما هو الرايتينغ؟ هو الزئبق الوحيد لبقاء اي برنامج او ايقافه، وكلما كانت السخافة والسفاهة موجودة كلما ضَمَنَ الاعلامي او الاعلامية بقاء البرنامج على الهواء.

كثيرون دخلوا مجال الاعلام بالواسطة، والقلائل الذين يملكون مفاتيح النجاح بالفطرة، ولكن ليس كل موهوب موجوداً على الشاشات ولا كل مدعوم وموجود ناجحاً .

ويمكننا قبل الختام ان نطرح سؤالاً مهماً على معدي ومقدمي ومنتجي هذه البرامج الاذاعية والتلفزيونية ،اين انتم من الامور الدينية والثقافية ؟ لماذا تهمشونها ؟ لماذا لا تعطونها الا القليل من وقتكم ويكون هذا الوقت لدقائق معدودة في ختام الحلقة، حتى البرامج الاجتماعية والتي من المفترض ان تُعنى بالفساد نراها مليئة بالفساد ، ومن هو محسوب علينا نرفعه لسابع سما ومن هو ضدنا ننزله الى تاسع أرض.

للاسف وصلنا الى مرحلة بدأنا فيها نفتقد للاداب الاعلامية، والحمد لله ان برنامج "الفساد" الذي تعده وتقدمه الاعلامية غادة عيد عبر قناة "الجديد" يعتبر الوحيد الخالي من الفساد الاعلامي المستشري على شاشاتنا واذاعاتنا.