حوار رمضاني شيق ملؤه الذكريات الشيقة مع نجم ليس كباقي النجوم واسم ليس كباقي الأسماء.

. نجم إذا نظرنا إليه من زاوية فهو مطرب، ومن زاوية أخرى ممثل، وإذا أخذناه بصورة كاملة من كل زواياه فهو " فنان الشعب" من دون منازع..
الفن يفرد مساحة لحياة النجم العملاق رفيق سبيعي مع شهر رمضان في الحوار الخاص التالي..

لو أتينا على مراحل الطفولة من حياة رفيق سبيعي.. كيف كان شهر رمضان في تلك الفترة من منظور طفل؟
في مراحل الطفولة كان شهر رمضان بالنسبة لنا كأطفال شهر تعلم كل شيء من الفضيلة والمحبة والتقرب من الله ومن الناس، ومن جهة ثانية كان شهر المأكولات الطيبة كما نسميها، لأن هناك طبخات مخصصة لرمضان، وكذلك هناك مشروبات لا يتناولها الدمشقيون إلا في شهر رمضان، كالعرقسوس مثلا والتمر الهندي، لذلك كانت طقوس شهر رمضان في مراحل الطفولة مميزة جدا وتعلق في الذاكرة طالما بقي الإنسان حياً.


هل من مواقف طريفة أو مؤثرة بقيت في ذاكرتك من تلك الفترة؟
نعم يبقى في ذهني وذاكرتي عندما كنت تحت العاشرة من العمر وكان أبي أو أمي يأخذاني معهما إلى الأسواق المهمة في الشام مثل سوق الحميدية أو سوق باب الجابية. في تلك الفترة كنت أرى في كل عام شيئا جديدا دخل للبلد لم نكن نعرفه في العام السابق، وكنا كأطفال نطالب على الدوام بالإتيان بهذا الغرض أو ذاك إلى البيت فورا حتى لو لم يكن ثمنه متوفرا في جيب الوالد.


في المرحلة التالية.. أين بات رفيق سبيعي من شهر رمضان؟
أستطيع القول بأنني منذ الخامسة عشرة أو أقل بقليل أصبحت رجلا ولي مواقفي في أمور كثيرة في الحياة بحكم أن الوالد دفعنا للتعلم وللعمل، لكن بالنسبة لي كانت هناك بذرة الفن قد تفتقت في داخلي خصوصاً الغناء الشعبي بالصوت الرجولي الذي كان مميزا في أسماع الناس، فأصبح فترة ما بعد الإفطار فترة الهروب من البيت والغناء مع الشباب في المقاهي وكذلك الاستعراضات بالسيف والترس وكنت المميز بين جميع أصدقائي آنذاك.



هل تذكر لنا بعض الأغنيات التي كنت تغنيها في تلك الفترة؟
تقريبا نفس الأغنيات الشعبية التي غنيتها عندما أصبحت فنانا ( شرم برم كعب الفنجان، يا صلاة الزين) والأغنيات الشهيرة في البيئة الشامية التي يسمعها الجمهور اليوم في كل الأعمال التي تتناول هذه البيئة.



هل حصل موقف ما وطالبك أحد الكبار بالتوقف عن الغناء في مقهى شعبي بحجة الضجيج؟
لا أبدا.. كانت كل الأجواء حميمة وكان كل الرجال يعرفون مسبقا أن غناء سيحصل في هذا المقهى وبالتالي من سيأتي إلى المقهى يعرف مسبقا أن الغناء سيدوي فيه. أضف لذلك أن أولئك الرجال في تلك المرحلة كانوا يشجعون الشباب على إبراز مواهبهم لأنهم كانوا يطلبون جيلا واعيا.

وهل دخلت إلى السجن يوما أيام الدرك الفرنسي لأسباب كهذه؟
لا لم يحصل هذا، ولكن أذكر أن ضابطا في الجيش الفرنسي برتبة متوسطة وكان يتحدث العربية المحكية، قال لي:" هووونيك بعد شوي من هون، في معهد موسيقى وغناء... أفضل إلك تروح هوونيك"... فقلت له أنا مطرب شعبي ولست محترفا... قال لي: أنت ما بتعرف مصلحتك!!.



نعود إلى رمضان، وفي المرحلة التالية.. ماذا تحدثنا عنها؟
المرحلة الثالثة كانت جميلة وقاسية في الآن معا.. في هذه المرحلة تزوجت وسكنت لوحدي مع زوجتي وكان هذا جميلا وصعبا في آن واحد، فهو جميل لأن الحياة اكتملت بالزواج، وصعب على لأن البعد عن أحضان الأب والأم صعب وقاس جدا. لكن ما كان يعيد الأمور النفسية إلى حالها أنني كنت أتوجه إلى بيت أبي وأمي وأشقائي مع زوجتي لتناول الإفطار وأحيانا ننام عندهم ونتناول السحور حتى صبيحة اليوم التالي.

ماذا افتقدت في هذه الفترة " رمضانيا" غير الأهل؟
افتقدت نوعا ما لأصدقائي ورفاقي الذين كنت أغني وإياهم في المقهى الشعبي بالحارة، لأنني سكنت في حارات أخرى، وتعددت المساكن التي سكنت فيها، لكن كثيرا ما كنت آتي إلى الحارة للاجتماع بأولئك الشباب، حتى دخلت التمثيل رسميا وأصبحت ضغوط عملي كبيرة خصوصاً فترة الغناء والتمثيل في الإذاعة.

ماذا عن شهر رمضان بالنسبة إليك وقد أصبحت فنانا؟
كان جيدا ومؤثرا لي كثيرا أن أغنيات لي بصوتي كانت تبث عبر إذاعة دمشق في تلك الفترة وكنت لا أصدق نفسي أن الناس يسمعونني في بيوتهم خصوصاً أن كل بيت بات فيه مذياع، وكانت أغنياتي تبث في مراحل الصباح والأكثر في مراحل السهر، وكان المذيع يقدمني " صاحب الصوت الشعبي الرجولي".



وعندما أصبحت ممثلا تلفزيونيا.. ماذا تذكر من ذلك؟
أذكر أنني في شهر رمضان كنت أحرص على أن أحضر التمثيليات والمسلسلات التي يعرضها التلفزيون، في بيت الأهل. كان مهما جدا بالنسبة لي أن أجلس مع أبي وأمي اللذين كانا يفتخران بي وبظهوري على الشاشة، لأشاهد المسلسل بعين، ومشاعر أبي وأمي بعين أخرى، وكذلك أشقائي وأبناء حارتنا الذين كنت ألتقي بهم كلما جئت للمنزل العائلي.

لم يكن كل الناس يملكون أجهزة تلفزيون.. أليس كذلك؟
في تلك الفترة كان يكفي وجود ثلاثة أجهزة تلفزيونية في الحارة الشعبية التي تتوفر على 20 منزلا، ليشاهد كل الناس برامج التلفزيون. بيت أهلي كان يمتلئ بالجيران الذين لا يملكون تلفزيون، وكذلك البيوت الأخرى. كان التلفزيون شيئا عجيبا لم يحتكره أصحابه بل وفروا فرصا لكل المحرومين منه ليشاهدوه ويشاهدوا برامجه.


ورمضان اليوم.. كيف تراه؟
لنكن صريحين.. كل شيء تغير... من نفوس الناس إلى الروحانية إلى المحبة إلى الأدوات ... إلى كل شيء.
لا أريد أن أبخس الأطياب حقهم، لكن في الحقيقة باتوا قلة، والجو العاطفي والإنساني الذي ساد في الماضي لم يعد موجودا، هذا بصرف النظر عن المرحلة الأخيرة المتعلقة بالحرب، بل منذ ما قبل ذلك بكثير، وأنا سبق لي وقدمت برامج سردية عن تغير الإنسان، سواء بالإذاعة أو بالتلفزيون، وكنت أنبه الإنسان السوري إلى أن هذه التغيرات قد توصلنا إلى ما لا تحمد عقباه في المستقبل، وللأسف وصلنا إلى ما وصلنا إليه.

تعريف شهر رمضان بالنسبة لفنان الشعب رفيق سبيعي؟
هو شهر الحب والخير والبركة والتساوي بين الناس... أحلم ألا أموت إلا بعد أن أرى شيئا من هذا يتحقق.