في 11 تشرين الأول من العام الماضي لبس الوطن ثيابه السود على عملاق لبناني كبير رحل بهدوء وصمت، رحل "عالهدى"، عن الحياة والنجاح والوطن .


في مثل هذا اليوم إنتقل الى السماء التي عيّدها من الأرض التي عشقها تاركاً وراءه إرثاً فنياً وانسانياً وروحانياً كبيراً .
في مثل هذا اليوم ودعنا على الارض ليستقبلنا في السماء حيث هو جالس الآن بصفاء يرتل مع الملائكة " لبنان يا قطعة سما اســـمك على شفافي صلاة"، وهو من اعطى الكثير من صوته وحياته للأناشيد الدينية وللصلاة لقديسي لبنان .

في مثل هذا اليوم رحل عملاق العمالقة، هل سيذكره لبنان الرسمي ؟ أو ربما هو مشغول بأمور ثانية لا علاقة لها بالانسانية والوطنية .

وليس وحده الصافي بقي منسياً في ذكرى رحيله لا بل هو كان على يقين بهذه "النَسوة" في تجارب مع من سبقوه من كبار لبنان ومبدعيه.
وديع الصافي حمل زاده وسنواته الـ92 ورحل وحيدا لملاقاة رفاق الدرب ممن سبقوه الى دنيا الحق، رحل لملاقاة اصدقاء عمره الذين قضى واياهم اجمل سنين العمر، نصري شمس الدين، الاخوين الرحباني، زكي ناصيف، يونس الابن، أسعد السبعلي، مارون كرم وفيلمون وهبي، تاركاً جواهر ثمينة أمانة بايدينا فيروز، صباح، سميرة توفيق، وغيرهم من القلائل الذين أثروا المكتبة الفنية اللبنانية باهم اعمال ذلك الزمن الجميل .

توفي وديع فرنسيس الشهير بوديع الصافي مساء الجمعة 2013،10،11 في مستشفى بيلفيو في المنصورية بجبل لبنان بعد صراع طويل مع المرض وكان موقعنا اول من اعلن هذا الخبر الحزين، فعشنا في صراع ننشر الخبر ام نترك مهمة ابلاغ اللبنانيين عن وفاة هذا العملاق لغيرنا؟ تسمرت اصابعنا للحظات وصُمّت اذاننا وتسربل الكلام على لساننا، فكيف سننعى للبنانيين هذا الكبير، الى ان كان القرار بنشر الخبر الذي تناقلته عنّا كل وسائل الاعلام اللبنانية والعربية.
اشتهر الصافي بترسيخ قواعد الأغنية اللبنانية في الكثير من البلدان العربية والعالمية واصبح مدرسة في الغناء والتلحين.

ولد الصافي في الاول من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1921 في قرية نيحا الشوف وجاء الى بيروت عندما كان في سن العاشرة وهو الابن الثاني في ترتيب العائلة التي تضم ثمانية أبناء. عاش طفولة متواضعة يغلب عليها طابع الفقر والحرمان.


كانت انطلاقته الفنية سنة 1938 حين فاز بالمرتبة الأولى لحنا وغناء وعزفا من بين أربعين متباريا في مباراة للإذاعة اللبنانية ايام الانتداب الفرنسي في أغنية "يا مرسل النغم الحنون" للشاعر الأب نعمة الله حبيقة.
واتفقت لجنة التحكيم في حينه على اختيار اسم "وديع الصافي" كاسم فني له.

في أواخر الخمسينيات بدأت مشاريعه لنهضة الاغنية اللبنانية تتوسع اكثر فاكثر وشارك في مهرجانات بعلبك التي جمعته الى جانب العديد من نجوم تلك الحقبة المهمة من تاريخ لبنان الفني، مثل فيلمون وهبي والأخوين رحباني وزكي ناصيف وغيرهم .

شارك الصافي في أكثر من فيلم سينمائي من بينها "الخمسة جنيه"، "موال"،"نار الشوق" ومع بداية الحرب اللبنانية غادر وديع لبنان إلى مصر سنة 1976 ومن ثم إلى بريطانيا ليستقر عام 1978 في باريس قبل ان يعود الى وطنه لبنان الذي لم يفارق قلبه ولا فكره ولا عقله طيلة فترة الغياب.

في مثل هذا اليوم رحل وديع الصافي في مأتم مهيب حضره كبار الفنانين وغاب عنه كبار آخرون، وفي مثل هذا اليوم رحل صاحب العيون السود الى حلم الليالي، وفي مثل هذا اليوم مر ع الدار فلم يجد لا العيون غريبة ولا صوته غريباً ، لان صوته لا يزال الى اليوم يلعلع في قلوبنا واذاننا واذاعاتنا ولو بصورة خجولة.