صادف يوم أمس الذكرى الخامسة على وفاة الفنان الجزائري رشيد طه تاركاً خلفه تراثاً غنياً من النجاحات الموسيقية غير المسبوقة في العالم العربي، والذي ارتبط اسمه عند العرب وجمهوره من الغربيين، بأغنية "يا رايح وين مسافر" التي جالت بقاع العالم، فإن المسار الفنّي لرشيد طه شاق وغنّي، خَطَّهُ وسط مُعاناة الفقر والتهميش والعنصرية التي عاشها.


ولد رشيد طه في 18 أيلول/سبتمبر عام 1958، في ولاية سيق غرب الجزائر، وعندما بلغ من العمر 10 سنوات، رحل مع والديه إلى فرنسا. كان والده يعمل في مصنع للنسيج لساعات طويلة بأجر منخفض، وقد واجهت الأسرة في البداية الكثير من الصعاب، وعاشوا حياة أشبه بـ"العبودية الحديثة".
حينما أصبح شاباً، بدأ يعمل في أحد المصانع خلال ساعات الصباح، فيما كان ينسق أسطوانات الموسيقى العربية مع الجاز والسالسا، والفانك، في الملاهي الليلية، مساءً. هذا التناقض بين العمل الشاق في النهار والمتعة والفن في الليل انعكس فيما بعد على موسيقاه، التي كانت مزيجاً مختلفاً ومتجانساً بين الشرقي والغربي.
في الثمانينيات، تعرف رشيد طه على مجموعة من الموسيقيين الهواة في مدينة ليون الفرنسية، وشكل معهم فرقة موسيقية أطلقوا عليها اسم Carte de Séjour "بطاقة إقامة"، تعزف الموسيقى في النوادي الصغيرة.
إختار رشيد طه عام 1997 من الرّصيد الغِنَائِي الثري لدحمان الحراشي، أحد أعمدة الأغنية الشعبية الجزائرية أغنية رائعة في لحنها، ومُعَبِّرة في كلماتها، لمُلامستها لمشاعر الحنين للوطن لدى المغتربين، فهي تذكير لكل "رايح" مسافر بأنّ مصيره بعد التعب والعياء، هو أن يُولِّي مُدْبِراً ويرجع لأرضه وأهله. هي أغنية "يا رايح" التي صنعت منه نجماً ذائع الصيت، وحقَّقت انتشاراً واسعاً في كل بلاد العالم، وأُعيد استنساخها بلغات عديدة وأصبح اسمه بالأصل مقروناً بها.
إلتحق رشيد طه بعد ذلك بركب تجربةٍ غنائيةٍ ناجحة، في ذروة "الثورة الموسيقية"، التي أحدثها "الرّاي" في أوروبا والعالم في عقد التسعينيات من القرن الماضي، فقد شارك في حفل تاريخي كبير هو الأضخم من نوعه في تاريخ الموسيقى الجزائرية والعربية سُمِيّ : 1،2،3 شموس 1,2,3 SOLEILS برفقة مغنيين جزائريين آخرين هما خالد وفضيل، تم فيه إعادة أداء مجموعة كبيرة من الأغاني التراثية من مختلف المناطق الجزائرية بتوزيعات موسيقية جديدة، لاقت نجاحاً كبيراً وانتشاراً واسعاً، ونقلت، عملياً، فولكلوراً من عمق الثقافة الشعبية إلى أبعد مدى وبِحُلًّة قوامها التجديد والإبداع، كان أبرزها أغنية "عبد القادر" المُقتبسة من قصيدةٍ من الشعر الشعبي الملحون.
حصل رشيد طه على العديد من الجوائز العالمية، أهمها Victoires de la Musique - Honorary Award، جائزة الموسيقى العالمية لأكبر مبيعات لمغني في الشرق.
نقلت صحيفة "لوباريزان" الفرنسية عن صديق رشيد طه ومنتجه ميشيل ليفي أن الفنان كان "يتمتع بصحة هشة" وأنه "يعاني من مرض وراثي لا يسميه"، مضيفا "لم أجرؤ على سؤاله عما كان عليه، وكان متحفظا جدا في هذا الموضوع، فقد وزنه في الفترة الأخيرة وكان بالكاد يستعمل يده اليسرى"، لكن أسرار مرضه، كشفتها صحيفة الوطن الجزائرية الناطقة بالفرنسية، قالت إنه تحدث عنها خلال مقابلة جمعته بها في 2017، إنه مرض "متلازمة أرنولد كياري" النادر، الذي هو عبارة عن تشوّه خلقي يصيب المخيخ المسؤول عن التوازن، ويسبب لصاحبه اضطرابات عصبية.
وبالنسبة لرشيد طه، تأتي هذه المتلازمة، بسبب زواج الأقارب الذي كان ثمرة، حيث يقول: "كانت جداتي من الأخوات، كان لديهن نفس الاسم، كان لهن نفس الأب ونفس الأم. وأبي متزوج من ابنه خالته"، لذلك سعى إلى التحذير من عواقب هذه الزيجات وحرص في كل مرة على زيادة الوعي بين الناس ودعوة على عدم الزواج من أقاربهم، لكن أكثر شيء كان يؤلمه هو نظرة بعض المحيطين والناس إليه.
​​​​رحل رشيد طه يوم 11 أيلول/سبتمبر عام 2018، إثر تعرضه لأزمة قلبية أثناء نومه في منزله المتواجد في العاصمة الفرنسية، باريس.