كثيراًما نسمع عن الإحتباس الحراري والتغير المناخي، التصحّر والجفاف كذلك الثقافة والبرامج التلفزيونية التي يمرّ بفقر الإنتاجات وقحط الأفكار الخلاّقة.


هذا الزمن الرديء، جعلني أتّكئ على ذاكرتي لكي تساعدني بالسير نحو حنينٍ خفت أن افقدهُ، و لم تخيّب ذاكرتي لي ظنّاً . إستذكرت الخلاّق طوني أبو إلياس، الذي تألّقت عدسات كاميراته في البرامج ذات البصمة و البقاء الدائم، "الكاميرا وين"، "فوازير مشاوير"، "نجم الإعلام".

وهو من أظهر لنا كبار الفنانين بأجمل إطارٍ و أروع مشاهد إخراجية في الفيديو كليبات، هو من جعلنا نعيش ستينيات عصر العز في "يا قصص" لـ جوليا بطرس، هو نفسه الذي جال بنا الأرض كلها بـ"غريب الراي" لنوال الزغبي، هو المبدع نفسه في كليب "وقف يا زمان" ، "طبيب جراح"، بحبك و بغار" ، ما اندم عليك" ... و الكثير الكثير من الأعمال الأخرى.

و لكي لا أبعد عن المحيط الإبداعي، تذكرت زوجته ميرنا خياط أبو الياس، التي وإن حاولت أن أعدد الفيديو كليبات التي أخرجتها، فلن أنعم براحة اليد وتوافر الحبر. هي الخلاّقة دائماً في نظرتها وفي لمساتها على المخطط التنفيذي أي الـ storyboard ، ميرنا تنتمي فعلاً إلى عصرٍ لم يبق منه سوى صور في ألبومات، وفي مخيّلة.

طلبت من ذاكرتي ألا تبقيني كثيراً في خانةٍ واحدة، كي لا تتحوّل الخانة إلى أطلالٍ موجعة، فكان لي ما طلبت، دخلت إلى خانةباسم كريستو وهنا أيضاً تكمن مشكلة تعداد ما أنجز من برامج تلفزيونيّة أجلستنا في منازلنا لساعاتٍ، وجعلتنا نكره التسليات الخارجية لأنها بعيدة عن كل خيال. "تاراتاتا"، "حديث البلد" ، "رقص النجوم" ، "نجم الكوميديا" وكل حفلات التكريم الناجحة، كما العديد من الأعمال التي إمتاز وحده بإستخدام تقنياته الإخراجية الحديثة، فمعروف عنه أنه مستوردُ المعدات ، ورائد الإبداعات.

ومن خانته، إلى خانةٍ أخرى في ذاكرتي، وليد ناصيف، فالإسم مرتبطٌ بنجاحات الكليبات الغنائية "بتمون" لـ إليسا، "التنورة" لفارس كرم، "ليلة الوداع"لـ جورج وسوف، والعديد غيرها. إلا أن إبداع وليد ما لبث أن سحبه نحو الدراما فوقّع إسمه بفخر الإنتصار على جينيريك مسلسل "جريمة شغف" الذي أخرجه بعناية فائقة، لم تفلت منه التفاصيل ولم تغدر به الأخطاء. فكان إخراجه على قدر عزمه، وعلى مستوى السيناريو.


كم وفيّة ذاكرتي، التي دفعتني نحو إسمٍ آخر و هوسعيد الماروق، فيديو كليبات بالعشرات لن أدخل في تسميتها ، لكنني لا يمكنني أن أعبر قرب إسمه ولا أستذكر فيلم 365 يوم سعادة، الذي عند مشاهدته تشعر وكأنك تشاهده داخل كل مشهد، وكأن الكاميرا تصوّر من جهتها الخلفية ما يكمن في عقله من أفكارٍ ذكيّة و تركيب مبدع للمشاهد والإطارات الشاملة للمشهد.


وكما تبادلني ذاكرتي بالوفاء للأشخاص، فقد بادلتها الوفاء بالإستذكار. فتذكرت كميل طانيوس الذي كنت أول من آمن به وبقدراته ودعمته كمخرج نشيط بالأفكار والعمل، فكانت بدايته ناجحة ولا زال النجاح حليفه.

لن أنسىبودي معلولي، وهو إسم التسعينيات المرتبط بعزّ LBCI، وهو المخرج بعضلاتٍ رياضيّة، تلتقط كاميرته كل إنجازات كرة السلة بضربة ثلاثيّة ، تصيب ولا تخيب ، وطوني قهوجي الذي أخرج أجمل البرامج الفنية منها "ديو المشاهير" و"ستار أكاديمي" ، In Touch وغيرها من البرامج الناجحة .


ولكي لا أسمح لذاكرتي بأن تستأثر بأماكن محددة، طالبتها بأماكن أخرى، ذكرتني بـ مكرم حنوش، صانع النجوم والنجومية التلفزيونية في برنامج "ليالي لبنان" الذي أطلق لنا أسماء كبيرة في الفن اللبناني، الشمس المشرقة نجوى كرم وغيرها .

إلى أين رحل هذا الزمن؟ أين الفرص والعدالة بإفساح المجالات للدم الجديد لكي يُضخّ في أدمغةٍ تعاني نقصاً في التروي؟ فكما حصل المخرج الناجح وسيم سكّر على فرصة في دبي عبر برنامج "توب شيف" وكذلك الأمر مع المخرج عماد عبود، لماذا لا تُفتح الأبواب أمام فرصٍ جديدة لمخرجين جدد، كالمخرج طوني نعمة، وأين العنصر النسائي من الإخراج؟
في الماضي كنا نعلّق الحجة على شمّاعة المخرج "ما غيرو" الذي كان يستفرد بعالم التلفزيون، وكان يحتكر الفن وكأنه ملكية شخصية بص
كّ الغطاء السياسي ووكالة العلاقات المشبوهة. فما هي الحجة اليوم ؟ لماذا لا نشاهد برامج فنية ترفيهية بأفكار جديدة بدلاً من إستيراد أفكار أجنبية وتطبيقها حرفياً ، فأين الإبداع في ذلك وأين الخلق ؟ ما هو سبب هذا القحط الإخراجي الذي نعيشه؟ أين هم خريجو جامعات ومعاهد الإخراج؟ لماذا لا يُمنحون فرص إثبات الذات والإبداع غير المصاب بالتجاعيد؟
على شركات الإنتاج والتلفزيونات أن تعرف أن الثقافة في لبنان يجب ألا تكون كالسياسة، مرشحٌ دائم، نائب دائم ، وزير دائم، تهترئ الكرسي ولا يهترئ طمعهم بالمال والسلطة.

الإخراج ثقافة حياة، تشبهها ، تشبه موضتها، آراءها، ثورتها، تكنولوجيتها، موسيقاها، عولمتها، جنونها، تُشبهُ جيلاً يخرج للخارج ليُخرج. نريد إبداعاً جديداً ربما يسقي عطشنا لكي لا يتصحّر لبنان.