تمرّ الساحة الفنية العربية حالياً بفترة من الركود والهدوء، في حين بات الفن في العالم عموماً يحتكم إلى مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي الذين تمكنوا من اكتشاف مواهب كبيرة حققت نجومية عالمية، ومنهم على سبيل المثال "SIA" وغيرها.

..

ومن هذا العالم الافتراضي نفسه، إنطلقت موهبة حقيقية تمكّن صاحبها الفنان الإماراتي محمد سيف من تقديم أكثر من عمل فني متميز.

ماذا تخبرنا عن بداياتك الفنية؟

كانت البدايات من خلال الغناء في جلسات مع أصدقائي، حيث كنت غالباً ما أؤدي أغنيات مطربي الخليج الكبار، وهكذا بدأت أكتشف موهبتي، ومع تشجيع الأصدقاء تحوّلت الجلسات إلى رغبة حقيقة في دخول المجال الفني. وبالفعل، قدمت أغنياتي لتبث في الإذاعات المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي وقد لاحظت نسبة مشاهدات واستماع مرتفعة جداً على يوتيوب.

يؤخذ على أغلبية الفنانين الإماراتيين الشباب عدم استمراريتهم وذلك على الرغم من النجاح الذي يحققونه. هل ترى نفسك خارج هذا التصنيف؟

لا يمكننا تصنيف الأمور بهذا الشكل، إذ لا تنطبق الظروف نفسها على كل الفنانين. بالنسبة إلي يرتبط غيابي بانشغالي في العمل على أغنيات جديدة، فكل عمل فني يتطلّب فترة من التحضير والإعداد، والبحث عن النص الجدير واللحن المناسب، ثم مراحل التسجيل والإنتاج الفني حتى تبصر الأغنية النور. عادة، لا يغيب الفنان إلا نتيجة ظروفه وارتباطاته لاسيما وأن الأغلبية ليسوا متفرّغين للفن تماماً.



بعد سلسلة من الأغنيات الناجحة، متى ستطلق ألبومك الأول؟

منذ بداية دخولي المجال الفني إكتفيت بالعمل على أغنيات منفردة، فالتكاليف المادية لإنتاج الألبوم كبيرة جداً ولا تناسب فناناً يعتمد على جهوده الشخصية مثلي وليس على شركة إنتاج، بالإضافة إلى أن إنتاج ألبوم في هذا الوقت يعد مغامرة في ظل تسريب الأغاني عبر الإنترنت وتأثير ذلك على عملية تسويق العمل. ومع ذلك، لدي أعمال أحتفظ بها ولم أطرحها منفردة آملاً أن أقدمها ضمن ألبوم كامل في الوقت المناسب.

كيف تقيّم أغنيتيك "إماراتي وأفتخر" و"حلو حلو" وردود الفعل عليهما؟

الأغنيتان مختلفتان في اللون واللهجة والموضوع..."إماراتي وأفتخر" واحدة من أعمالي الوطنية التي أعتزّ بها جداً، وهي عمل وطني بامتياز كتب كلماتها شاعر الوطن علي الخوار ولحنها الملحن إبراهيم السويدي، وقد حققت نجاحاً كبيراً جداً في الإمارات، وتنضم في ذلك إلى سلسلة أغنياتي الوطنية "شرطة وطنا"، "جيشنا الباسل"، "خليفة الوافي"، و"رجال الصمايل". في هذه الأغنية قدمت مشاعر فخري بوطني واعتزازي بإنجازاته على كافة الصعد، فأنا في كل موقف من حياتي أحمل بداخلي مشاعر اعتزاز بوطني وأكبر أحلامي أن أمثل الإمارات في محافل فنية عالمية أو في المناسبات الرسمية للدولة. أما أغنية "حلو حلو" فقد أديتها باللهجة العراقية، وهي من كلمات الشاعر مشرف العتابي وألحان ميثم علاء الدين وتوزيع الفنان حسام كامل. توجهي نحو الغناء باللهجة العراقية كان رغبة مني في تقديم ألوان ولهجات مختلفة، فكل لون غنائي يبرز مساحات الفنان الصوتية وقدراته بشكل مختلف، وقد حققت الأغنية أصداء جميلة جداً وانتشرت عبر اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي وتفاعل معها الجمهور بشكل منقطع النظير، حتى أن مجموع التصاميم والمقاطع التي وصلتني من الجمهور لأغنية "حلو حلو" بلغت أكثر من 5000 مقطعاً وتصميماً.

ألم يشجعك هذا النجاح على تكرار التجربة؟

بالفعل، لقد انتهيت من تصوير عمل جديد باللهجة العراقية مع المخرج أنس سيف وهو بعنوان "شنو الفيلم" ومن كلمات الشاعرين حيدر الأسير وإيثار جبار ولحن همام حسن وتوزيع الموسيقار حسام كامل. لقد اخترت موسم عيد الأضحى لطرح أغنية "شنو الفيلم" لتكون بمثابة (عيدية) مني لجمهوري تعبيراً عن شكري وتقديري لدورهم في نجاح أغنية "حلو حلو" وتشجيعهم لي على خوض هذه التجربة مرة جديدة.

ماذا بعد اللهجة العراقية، هل سنسمعك تغني باللبنانية مثلاً؟


النص الجميل يفرض ذاته بغضّ النظر بأي لهجة يكون... حالياً ليست لدي نصوص بلهجات غير الإماراتية، لكن قد يكون الأمر متاحاً في المستقبل لأني في الحقيقة من المؤيدين للغناء باللهجات العربية المختلفة بشرط أن يأخذ العمل حقه من التحضير والتدرّب على اللهجة واختيار الكلمة واللحن. في ما يخص اللهجة اللبنانية، أجدها جميلة وشاعرية لكن لها خصوصيتها التي تجعل أداءها مغامرة مؤجلة بالنسبة إليّ في الوقت الحاضر.

حققت أغنيتك "الحاجة" نجاحاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، ما السبب برأيك؟

أغنياتي بأغلبيتها حققت نجاحاً جميلاً، لكن بالفعل أغنية "الحاجة" لاقت رواجاً كبيراً وربما يعود الأمر إلى مضمونها الذي لامس نفوس الناس وظروفها الخاصة التي قد تعني كل مستمع. توقعت نجاح هذه الأغنية لكن ما حققته فاق توقعاتي بكثير، وكذلك أغنيتي "الزمن قاسي" حققت من النجاح ما سرّني وأسعدني، فهي من أقرب الأغنيات إلى نفسي.

هل نفهم من ذلك أن سبب نجاح الأغنية هو الكلمة أولاً؟

لا يمكن أن نختزل نجاح الأغنية في عنصر واحد من عناصرها، إنها عملية متكاملة قوامها الكلمة واللحن والصوت والتوزيع الموسيقي، أي من هذه العناصر له تأثيره في النهوض بالأغنية ومنحها رونقاً خاصاً.

يرى البعض أن دولة الإمارات خلال السنوات العشر الأخيرة لم تقدم للفن سوى الفنان حسين الجسمي. ما تعليقك؟

هذا الرأي لا يضيف إلى الفنان حسين الجسمي بقدر ما ينتقص من حق فناني الإمارات الشباب. حسين الجسمي مبدع على المستوى الفني ومن ناحية اختياراته أيضاً كما أنه لم يعد فناناً للإمارات فقط بل هو نجم عربي ومن أوائل النجوم العرب حيث يسمعونه في لبنان ومصر والمغرب وكل بلد عربي. هذا الأمر لا يلغي وجود غيره من الفنانين الإماراتيين فلكل فنان حضوره الخاص ونجاحاته، ونجاحات الجسمي تشرّفنا جميعاً في الإمارات.

على مدى أجيال فنية متعاقبة، كانت ظاهرة الثنائيات بين شاعر وفنان تثمر أعمالاً ناجحة. هل تؤمن بهذا النهج؟

لست مؤيداً بشكل كبير لأن يتحوّل الانسجام الفني إلى احتكار، أو انغلاق من الفنان على تعاونات محددة، بل أنحاز إلى كل تعاون جميل. شخصياً، كرّرت أكثر من تعاون مع شعراء معيّنين وكان التكرار طوعياً والسبب أن نتاجهم متميز، ومنهم الشاعر الكبير علي الخوار الذي له فضل كبير في مسيرتي الفنية، فقد كان من أوائل الذين شجّعوني وأخذوا بيدي لأتقدم في خطواتي الأولى في الفن وذلك من خلال إنتاج أعمالي عبر شركته الخوار للإنتاج الفني، ومنحي نصوصاً وطنية شكّلت علامة فارقة في انطلاقتي الفنية وأسهمت في حضوري ونجاحي المحلي. بدوري، أعمد إلى إتاحة الفرصة أمام الشعراء الجدد والشباب في حال كانت لديهم نصوصاً جميلة، والدليل تعاوني مع الشاعر علي العمري في أغنية "الحاجة" التي حققت نجاحاً استثنائياً، علماً أنه شاب عشريني وموهوب لكنه ليس مشهوراً.

ختاماً، ماذا عن جديد الفنان محمد سيف؟

أود أولاً توجيه تحية تقدير وعرفان لموقع "الفن" على ما نلمسه من اهتمام ومتابعة للفن الخليجي، بالإضافة إلى تغطيتكم الشاملة للفن في الوطن العربي، وأقول لكم ولمتابعيكم بمناسبة عيد الأضحى: كل عام وأنتم بخير وسلام ومحبة. أما بالنسبة إلى جديدي، فإلى جانب أغنية "شنو الفيلم" التي ذكرتها سابقاً هناك عمل جديد باللهجة الإماراتية ويتمّ التحضير له منذ فترة وأتمنى أن يرى النور قريباً. كذلك بحوزتي نصوص وطنية عدة أعمل عليها بصبر ومحبة وأحاول عدم الاستعجال في إنجازها لأن الأعمال الوطنية برأيي لا ترتبط بمناسبة بقدر ما هي أعمال خالدة تتناقلها الأجيال ولذلك يجب أن تأخذ حقها من الجهد والتأنّي لتكون لائقة بالوطن وخالدة في قلوب محبّيه .