أن تكون روائياً، أن تكون خيّالاً يمتطي صهوة جواد الخيال فتنسج منه أثواب الجمال، أن تكون أديباً مبدعاً يرسم في رواياته لوحات واقعية ومتخيّلة تأخذك إلى عوالم أخرى، أن تكون مصوّراً للحياة خصوصاً الحياة اللبنانية والواقع اللبناني بكل ما فيه من تعقيدات وتناقضات، يعني أن تكون جبور الدويهي.


هو سليل آل الدويهي الذين أعطوا لبنان حضارة وثقافة ولاهوتاً وفناً، هو ابن زغرتا الشمالية التي لم تبخل على لبنان بالأدباء والفنانين والرجال الرجال. وهو، جبور الدويهي، سليل جبران ونعيمة وعواد ومحفوظ وغيرهم كثر.

حاز إجازة في اللغة الفرنسية وآدابها ثمّ حاز دكتورا في الأدب المقارن من السوربون، كما علّم في الجامعة اللبنانية، صحافي وناقد أدبي في L’orient litteraire والأهم إنه روائيّ من الطراز العالمي : اعتدال الخريف، ريّا النهر، عين ورده، مطر حزيران، روح الغابة، شريد المنازل، حيّ الأميركان وطُبع في بيروت، هي رواياته الشاهدة على إبداعه وحرفيّته ومهارته في تصوير الواقع وفي تخيّله، هو الذي يسبح في الفضاء الروائي بين الزمان والمكان والشخصيات وتطبّق على رواياته مقولة باختين:" أن الأفكار الجوهرية تشكل في بنية اللغة نظاماً لا يتخلخل، مكوناً من ثنائيات متعاضدة لا تنفك عراها: التعرف والفهم، المعرفة والتبادل، الحوار والكلام الداخلي (سواء كان داخلياً أو معبراً عنه)، التخاطب بين المرسل والمستقبل "المتلقي"، كلّ علامة لها دلالة وكل دلالة مرتبطة بالعلامة، الهوية والتنوع الكوني والخاص، المجتمعي والفردي، التماسك والانقسام، التحدث والحديث..
وقد حاولنا في هذه المقابلة أن ندخل إلى عالمه الروائيّ وأن نغوص في عمق تجربته فكان هذا اللقاء وكانت هذه الإجابات:

1- أنت مجاز في الأدب الفرنسي وحائز دكتورا في الأدب المقارن. لماذا اتجهت إلى الكتابة باللغة العربية؟ وهل ترى أن الأدب العالمي اليوم ما زال ينبض بالإبداع كما كان سابقاً؟
- درست ودرّست الادب باللغة الفرنسية وعندما حان بالنسبة لي وقت الكتابة وجدت نفسي أكتب من اليمين الى اليسار، بلغتي الأمّ كمن يركب القطار الذي يمرّ أمام باب المنزل. أقرأ كثيراً بالفرنسية وأكتب مقالات شهرية في ملحق "لوريان ليتيرير" الادبي لكن العربية تبقى لغة الخيال ولغة الشخصيات التي تسكن الرواية...

2- في روايتك شريد المنازل يمتدّ الزمن من العام 1952 حتى العام 1975. ماذا تعني لك هذه الفترة من تاريخ لبنان الحديث؟
- إنها الحقبة التي شهدت تطوراً واستقراراً ما سمّي بالصيغة اللبنانية خصوصاً مع المرحلة الشهابية وشهدت كذلك بداية تفككها وظهور تحكّم الطوائف والنزاعات الأهلية ولا بدّ في الزمن الروائي من إبراز لحظة "انقلابية" تتغيّر فيها المصائر وتضطرب الأحوال وتلك هي بداية الحرب اللبنانية في نيسان ١٩٧٥ والتي ضربت أسس العيش معاً وخرّبت حياة الكثيرين ومنهم نظام العلمي الشخصية الرئيسية في "شريد المنازل".

3- الشخصية الرئيسة في رواية شريد المنازل "نظام" مسلم لكنه يعيش في محيط مسيحي. لماذا لم نستطع بناء وطن يجمع الطوائف بمحبة وتعايش؟ وهل ما زال الحلم موجوداً في بناء هكذا وطن؟
- الحلم لا يموت والسعي اليه لا يتوقف ولو بعزم متفاوت. كان لبنان سبّاقاً في تطييف الحياة السياسية والمواجهات العسكرية لكن ما يمكن ملاحظته أن لبنان صامد نسبياً قياساً على ما يحصل حولنا من حروب ترتدي طابعاً مذهبياً وتهدم العمران وتحصد البشر وتهجّرهم، وما يزال بلدنا "ممكناً" كصورة لتعايش لا بدّ منه بين مختلف مكونات المجتمع.

4-في رواية "حي الأميركان" تروي حكاية طرابلس بعيداً من الزمن المحدّد بدقّة. لماذا؟ ولماذا تقصد أن تنقل قصص رواياتك من الواقع الذي تعيشه؟ وماذا تعني لك طرابلس؟ وهل الفقر هو السبب الوحيد للتطرف؟

- طرابلس مدينة عرفتها منذ صغري، من المدرسة الابتدائية للأخوة المسيحيين على ضفة نهر أبو علي ومقابلها تلك الاحياء التي اكتظت بالفقراء والوافدين من الأرياف ومن سوريا. درست في طرابلس ودرّست في ثانويتها وفي الجامعة اللبنانية وما زلت أرتاد مقاهيها يومياً حيث أكتب رواياتي. وقد حالت في "حيّ الأميركان" الإحاطة بهذا الحيّز المديني البائس الذي قد يصدّر شباناً يلتحقون بالحركات الجهادية التي يضجّ العالم بها. وأعترف انه من الصعب الإحاطة بالاسباب الكاملة لهذا الانزلاق ولو أن الفقر أحد المسببات من دون شك. إنه فعل أيديولوجي عرفت البشرية أصنافاً عديدة منه وكان دائماً مكلفاً لجهة سفك الدماء والخراب.


5- صدرت لك حديثاً رواية "طبع في بيروت". أخبرنا أكثر عنها.

رواية تحكي عن الكتابة والطباعة وتزوير العملة والحبّ وبيروت من خلال مطبعة عمرها من عمر لبنان الكبير...


6- ما هو واقع الرواية في العالم العربي؟ وهل وصلت إلى مرتبة الشعر الذي يمجّده العرب؟

الرواية هي النوع المزدهر اليوم ولا شك أنها تفوقت على الشعر ويصدر سنوياً مئات العناوين من كل موضوع وأسلوب ومستوى وهي اليوم أنزلت الشعر عن مرتبته...


7- هل ستكون روايتك الجديدة بعيدة من أجواء الحرب اللبنانية؟

تحكي بيروت اليوم حيث أصداء الحروب تُسمع من بعيد لكن محور الاحداث مختلف عن مناخ النزاع المسلّح.