اسمعوا يا كل الملوك .

.. إذا راح الملك بيجي ملك غيرو وإذا راح الوطن ما في وطن غيرو. بهذه الكلمات وجّه منصور الرحباني صرخته إلى الملوك والرؤساء منذ أكثر من عشر سنوات، صرخة في وجه الإستبداد والديكتاتورية والظلم، فالملوك يمكن أن يأتي ملوك غيرهم لكنّ الوطن أي الأرض والناس فلا يمكن الإتيان ببديل عنهما.

أما ملوك الطوائف عنوان المسرحية الغنائية من تأليف منصور الرحباني فهي مسرحية تدور أحداثها حول حقبة زمنية من تاريخ العرب في الأندلس حيث انقسمت الأندلس إلى دويلات متناحرة وتقاسمها الملوك العرب ليحكم كل منهم مدينة ويعلنها مملكة له. وسموا ملوك الطوائف. وقد أراد منصور الرحباني من اختيار هذه الحقبة التاريخية أن يدلّ إلى العرب اليوم، وإلى انقسامهم وتناحرهم فيما بينهم واستنجادهم الدائم بالخارج ليساعدهم في مواجهة بعضهم وكيف أن هذا الخارج يأتي للمساعدة بنية مضمرة لديه باحتلال أرض العرب. نعم لقد أصاب منصور الرحباني حين شبّه وضع الدول العربية بوضع الأندلس أيام ملوك الطوائف، وبوضع ملوك العرب الذين لا يهتمون إلا بمناصبهم بينما الأهم هو الوطن وليست المناصب.
كما تركّز المسرحية على أحد هؤلاء الملوك هو المعتمد بن عباد الذي كان يحكم إشبيلية والذي أغرم بفتاة "غسالة" وتزوّجها ونشأت بينهما علاقة حبّ قويّة واسمها اعتماد الرميكية. وهناك تركيز على ابن عمار وزيره الأول الذي يخونه ويتحكّم به بينما المعتمد غارق في اللهو والصيد وليلات الشعر والخمر.
ومن أفضل من الفنان غسان صليبا ليؤدي دور الملك المعتمد بن عباد هو الذي انطلق من المسرح الرحباني لتصبح مسيرته الفنية مسيرة الإبداع بالصوت والحضور والتمثيل، مسيرة الفن الجميل الذي يقوم على الإلتزام بالأصالة وبالهم الأول والأخير للفن هو خلق الجمال. هكذا أخذنا حضور غسان صليبا وصوته إلى عالم آخر، إلى بلاد الأندلس الحضارة والرقيّ والفنّ.

ولا ننسى من وقف إلى جانب غسان صليبا في العرض الأول للمسرحية عام 2003 الفنانة كارول سماحة التي أبدعت غناءً وحضوراً بصوت شرقيّ أصيل وشجيّ يدخل إلى القلوب فيسكنها لتحلّ مكانها في هذا العرض الفنانة هبة طوجي ليغرم بها المعتمد ولتؤدي دور "إعتماد الرميكية" هي التي انطلقت في مسيرتها الإبداعية أيضاً من على خشبة المسرح الرحباني لتصل إلى العالمية بصوتها الخلاب وحضورها المحبّب الذي لا يمكن تشبيهه بصوت كارول سماحة التي تؤدي الموسيقى الشرقية بتقنية عالية، هي التي تصبو وتجتهد كي تحمل الفنّ الرحباني على جناحي صوتها إلى المكان الذي يليق بهذا الفنّ.
أما بول سليمان ابن هذا المسرح فقد أبدع حضوراً وتمثيلاً وأداءً مسرحياً هو من له باع طويل في التمثيل الدرامي والمسرحيّ والسينمائي فقام بدور ابن عمّار مؤدياً الدور بحرفية وخفّة ظل وحنكة.
كما ان نزيه يوسف تألق على المسرح بخفّة ظلّه المعهودة وتمثيله المحترف هو الذي شارك الرحابنة في عدة مسرحيات، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الممثلين والراقصين المحترفين الذين زينوا اللوحات الراقصة والغنائية فأبهروا الحضور ترافقهم موسيقى رائعة وألحان ستبقى خالدة في أذهان الناس وديكور مميز يحمل الطابع الأندلسيّ مع مؤثرات بصرية متطوّرة.
إن أرز تنورين الذي افتتح لياليه الملاح بعرض مسرحي لـ ملوك الطوائف، رقص على وقع موسيقى الرحابنة وأغنياتهم والموشّحات وظلّل الحضور من الجوانب كافة لكأنه حارس الزّمان والجمال والإبداع.

وقد بدا واضحاً تفاعل الجمهور مع المسرحية وانتباهه إلى الإنتقادات الموجّهة إلى الحكام والشعب فصفّق وأبدى إعجابه في وقفة تحيّة إلى مروان وغدي وأسامة الرحباني وأبطال العمل جميعهم.
وعلى هامش المسرحيّة كان لموقع الفنّ هذه اللقاءات مع أبطال العمل وبعض الحضور منهم العميد شامل روكز والممثل يوسف حداد .


أسامة الرحباني: هناك واقع تاريخي نقلناه إلى المسرح وكتابة إبداعية وخلاقة عبارة عن قراءة للماضي بشكل رائع وعبقري من قبل منصور الرحباني تجاه الحزن والأسى اللذين نعيشهما في عالمنا العربي. في العام 2003 لم يستوعب الجمهور ما كان يقوله منصور الرحباني لكن بعد 13 سنة أدرك الجمهور مدى وعي ورؤيوية منصور الرحباني كيف يكيد العرب لبعضهم في السر وهم أصدقاء في العلن وفي اتفاقاتهم مع بعضهم وضد بعضم في آن، وكيف استعانوا بالغير ليقضوا على بعضهم. وعن هبة طوجي قال: هي رائعة ولم تعد للبنان فقط بل لأوروبا وهي أبعد من الجميع ومخنلفة عنهم. كما أكّد أن هكذا أعمال لا يستطيع أحد أن يقوم بها مثلهم بهذه الحرفية. وحيّا منظمي مهرجانات أرز تنورين الذين اختاروا موقعاً رائعاً الذي يدمج التاريخ والتراث مع المسرحية وكيف قدمنا هذه المشهدية.

غسان صليبا: لا نزال كما نحن ملوك وطوائف. والناس موزّعون على الطوائف كما أيام الأندلس من الناحية الإنسانية والسياسية والوضع إلى تراجع نحو الأسوأ. وهذه قيمة الرحابنة وقيمة منصور الرحباني وهذا العمل المتقن من ناحية الكتابة والألحان والموسيقى ومع الأساتذة مروان وغدي وأسامة المؤتمنين على هذا الإرث والذين يعطونه قيمته كما يستحق. وهذه المسرحية اليوم تعتبر لفتة أو تحية وفاء إلى الكبير الذي صنع هذا العمل منصور الرحباني. هبة طوجي موهوبة جداً ولديها كل مقومات بطلة المسرح الغنائي وتأقلمت سريعاً مع المسرح الرحباني وهي رائعة وستكون نجمة مهمة في سماء الفن.


هبة طوجي: تقديم بطولة هذه المسرحية هو خطوة مهمة جداً لي خصوصاً مع مروان وغدي وأسامة وعلى رأسهم الكبير منصور الرحباني. وهي مسؤولية كبيرة تقع على عاتقي وأصعد سلّما مهماً درجة درجة. وأنا سعيدة جداً وسعيدة بالجمهور وهذه المسرحية التي عرضت منذ 13 عاماً ما زالت تحاكي الواقع واليوم أكثر من قبل. أما غسان صليبا فهو فنان كبير ومسيرته كبيرة جداً ولديه خبرة طويلة في العمل المسرحي. وتواضع غسان وإنسانيته وأعتقد أن هناك تناغماً قوياً بيننا.

العميد شامل روكز: الإنتقادات في المسرحية في مكانها وأنا سعيد بالمسرحية وبتاريخها عسى أن يصبح الحاضر أفضل وسعيد بأنها تعرض في تنورين خصوصاً أنني ابن الضيعة وهذا فخر لنا في أن تكون المهرجانات في أرز تنورين. أما الوضع الذي تتحدث عنه المسرحية فبقي كما هو عسى أن تكون هذه المسرحية مصدراً لوعي الشعب لواقعه من أجل مستقبل افضل.


يوسف حداد: يعزّ علينا أن مجتمعاتنا وحكامنا لا يتعلمون شيئاً ومنصور الرحباني عندما كتب المسرحية كنت أحد أبناء هذا الجيل الذي له الشرف أن نعيش معه. وسعيد جداً أني أشاهدها اليوم. ونحن لا نتعلم فحكامنا تجار وشعبنا مخدر ونائم وطالما نحن هكذا سنبقى بالذل وسيبقى الغريب يحكمنا. ليت الحكام الذين شاهدوا هذه المسرحية ولم يتعلموا شيئاً أن يعرفوا كم أن هذا الشعب مقهور ومظلوم. هذا المسرح الرحباني علمني الوطنية والإحترام والصدق وأن أموت من أجل وطني دفاعاً عنه واكتشفت أن الإستسلام يجب ألا يكون موجوداً بل أن نقاوم دائماً.