عندما أنطلياس في أشجارها ونهرها وبيوتها وناسها تريد أن تستعيد أجمل ذكرياتها، تتذكّر ثلاثة شبّان تربّوا بين حناياها وشربوا من فوّار نهرها ولعبوا في حدائقها، ثلاثة شبّان لم يرضعوا حليباً عادياً من ثديي أمهم بل رضعوا فناً وإبداعاً وإصراراً.

الرحابنة لم تعد تسمية تدلّ على الشّبان الثلاثة بل أصبحت عنوان الفنّ والتّراث والإبداع اللّبنانيّ والعربيّ والعالميّ.
عاصي ومنصور والياس، أعمدة الفنّ اللّبناني، أعمدة لا يمكن أن يهدمها الزّمان ولا أن يتخطّاها، وجزء من هويّة لبنان المشرقة. بـ50 ليرة لبنانية بدأ المشوار، ولم ينتهِ إلى اليوم، رحل الأخوان وبقي الأخ الأصغر الياس، ليكون هو نافذة تطلّ على عالم الرحبانيّين، على الرّغم من أنه رسم لمشواره الفنّي خطاً فريداً ولوّنه بألحان وموسيقى سيخلّدها التاريخ هذا الخطّ استقام مع أصوات شجيّة مبدعة إستطاعت أن تجمّل الألحان.

أنطلياس التي كانت تتذكّر لياليها الملاح ليلة الأحد في 17 تموز أحبّت أن تكرّم آخر العنقود وأن تحضنه بالحبّ والرعاية والوفاء، وأن تدعو له بدوام الصحّة والتألّق والإبداع بشفاعة شفيعها مار الياس، إنه الياس الرحباني عازف الليل الذي لحّن أكثر من 1300 أغنية ومقطوعة موسيقية، 1000 منها عربية و300 غربية. وألّف موسيقى تصويرية لخمسة وعشرين فيلماً، منها أفلام مصرية، وأيضا لمسلسلات، ومقطوعات كلاسيكية على البيانو.
من أعماله نشيد الفرانكفونية، الذي اعتمدته 52 دولة فرانكفونية. ومنها ألحان وكلمات عدد من أشهر أغاني السيدة فيروز. كذلك لحّن إلياس العديد من أغاني الفنانة صباح، مثل كيف حالك يا أسمر، شفته بالقناطر، وياهلي يابا. وغنى من ألحانه الفنانون وديع الصافي، ملحم بركات، نصري شمس الدين، و ماجدة الرومي. كما تعاون مع عدد من مغني جيل أحدث، منهم جوليا بطرس وباسكال صقر.
اشتهرت بدايات الياس الرحباني بوضعه ألحان الإعلانات بالتعاون مع إذاعة مونتي كارلو.
من هذه الإعلانات الخاصة بالسوق العربي: La vache qui rit, Barella Maakaroni، شو بطاريتك ريو فاك، وسواها..
وضع الياس الرحباني حوالى 3000 لحن دعائي.

ليلة 17 تموز كانت ليلة تكريم الموسيقى والفن والإبداع المتمثّلة بالياس الرحباني من قبل دير مار الياس أنطلياس. الحضور كان كثيفاً من أهل أنطلياس وأهل الإعلام والثقافة والفنّ برعاية وزير الثقافة روني عريجي ممثّلاً بالأستاذ ميشال معيكي. البرنامج كان حافلاً بالكلمات والموسيقى والغناء، فكرة المسؤول عن جوقة الكنيسة يورغو خوري الذي قاد الحفل موسيقى وكورال بمهارة وحرفيّة. وقد قدّم الحفلة التكريمية الإعلامي شادي معلوف.
كما ألقى كلمة بالمناسبة رئيس دير مار الياس أنطلياس الأب جوزيف بو رعد مرحباً بالحضور وعارضاً لمسيرة الرحباني العريقة. ثمّ ألقى نائب رئيس بلدية أنطلياس كلمة أكّد فيها على دور الرحابنة في تطوير وحفظ تراثنا الفنيّ وقدّم درعاً تكريمية للمحتفى به. بعدها ألقى كلمة صاحب فكرة التكريم يورغو خوري أثنى فيها على إبداع الياس الرحباني الفني. كما كنا مع كلمة للإعلامي جورج قرداحي الذي شدّد على أهمية الفن الرحباني الذي يصل إلى العالمية.
تنوعّ البرنامج الغنائي بين تراتيل وأغنيات ألفها الياس الرحباني بصوت جوقة الكنيسة وباسكال صقر وسامي كلارك والأمير الصغير. كما كان للرسام برنار رنو لوحة رسمها مباشرة على المسرح للمناسبة.

وعلى هامش الحفل كانت لنا هذه الكلمات:
الياس الرحباني: أنا من أنطلياس وولدت فيها وعشت فيها وأخذتها إلى العالمية وبقيت معي كل العمر لكن للأسف في لبنان السياسيون "بدن ستين سنة تيفهمو الفن". ونحن بحاجة إلى وطن آخر كي يستقبل هكذا فنانين مثلي ربح سبع مرات في العالم.
باسكال صقر: "بيعز عليي وعلى قلبي" أن يتكرّم الياس الرحباني الذي بدأت معه مشواري الفني ، وهذا التكريم يسعدني لأنه تكريم لي أيضاً من خلاله. فأجمل ألحانه غنيتها وأعطى لبنان أغنيات لا تموت والجمهور اللبناني يحبها. وأشكر أنطلياس وأهلها على هذا التكريم خصوصاً صاحب الفكرة يورغو خوري. ويبقى التكريم الحقيقي للياس الرحباني هو محبّة الناس. وعن مشاريعها القادمة أشارت إلى أنها ستحيي حفلات في الجنوب وفي الشمال في ضهور الشوير وجونيه. كما أكّدت أن الفن الرحباني هو الذي سيصمد في وجه موجة الفن الهابط.

برنار رنو: هذا التكريم الثاني للياس الرحباني الذي أشارك فيه، وقد قدّمت له في المرة السابقة لوحة "بورتريه" لوجهه. أما الليلة فلن أرسم اللوحة نفسها بل سأرسم لوحة من تأليفي لأن الياس الرحباني عالمي ويستحق لوحة ترمز إلى العالمية. واللوحة هذه رقمها 222.
ممثل وزير الثقافة ميشال معيكي: الرحابنة خلقوا وطناً جميلاً بمخيلتنا من خلال الأعمال التي قدّموها من مسرح إلى أغنيات إلى موسيقى، ووزارة الثقافة بطبيعة الحال ترعى وتشارك كل النشاطات التي تكرّم كبارنا سواء بالموسيقى أو بالشعر أو بكل المجالات الثقافية. والعائلة الرحبانية هي عائلة أعطت كثيراً للبنان والياس الرحباني المكرم الليلة هو وجه مجدّد في الموسيقى خصوصاً الموسيقى الغربية. ونحن نقدّره جداً وندعو له بدوام الصحة والعافية.


سامي كلارك: الياس الرحباني هو منهاج بحد ذاته يجب أن يدرّس في المدارس، فهو ليس قيمة فنية لبنانية فقط بل هو قيمة حضارية عالمية، وأنا شهادتي مجروحة فيه وأقدّر جداً أنه كان جسراً بين الشرق والغرب.

غسان الرحباني: أنطلياس هي مسقط رأس الرحابنة وسجلهم 59 وهذه لفتة نقدرها جداً من قبل دير ما الياس أنطلياس تجاه والدي. أما الفنّ التجاري فهو الفن الذي يبيع ومنه ما هو جيد ومنه ما هو سيّء. ونحن نسعى إلى أن نقدّم الفن التجاري الجيد في وجه ما هو سيّئ ومنحطّ. ويجب أن لا نقف مكتوفي الأيدي ونشتم غيرنا بل يجب أن نعمل ونقدّم الأعمال الجيدة كي نحل محلّ الأعمال السيّئة.