نحت بإزميله أحرفًا على ورق والنّحت بالكلام يحتاج إلى إزميلٍ يونانيّ أحيانًا وعربيّ وفرنسيّ وألمانيّ أحيانًا آخر.

وعندما أبدع، ولد "جاد" من رحمٍ مذهّبةٍ، وعندما أراد أن يبني مدنهُ بنى "بابل" الأسطورة المسيّجة بدجلة والفرات. أما "بعل" فإله كلماته والخلود. إلى أن وصل إلى بلاد العربِ والبوادي فالتقى بـ "عنتر وعبلة" فنسج منهما أوبرا، لغتها لغة الفروسيّة والحبّ والألتقاء. إن هذا النّحات ليس غريبًا عن الفنّ والإبداع فهو إبن زحلة، عروس البقاع ومنبت الدوحة المعلوفيّة، ومسقط رأس سعيد عقل، إنّه الدكتور أنطوان معلوف الكاتب المسرحيّ والأكاديميّ والأديب والباحث.

أمّا الحديث اليوم فهو عن أوبرا كتبها لتكون الأوبرا الجادّة الأولى في العالم العربيّ، بعد أن كتب الأوبرا بعض المسرحيين العرب منهم مارون النقّاش ووديع صبرا إلاّ أنّ أعمالهما جاءت هزليّة ولم ترتق إلى الأوبرا الجادة التي نشأت في إيطاليا وهي أرفع أنواع الأوبرا. الأوبرا عنوانها "عنتر وعبلة" وكيف لا؟ وقصة عنترة أشهر الأساطير العربيّة في تمثيلها الحبّ المستحيل الذي جمع حبيبين واحدهما أسود اللّون فكان أن ولدت عنصريّة غريبة منعت إلتقاء الحبيبين المتيّمين. لكنّ فروسيّة عنترة واستبساله وقوّته طغت على أحداث القصّة فكان البطل الجبّار الذي لا يقهر والذي يستذكر حبيبته في أشدّ الأوقات محنةً كما يمثّل قيمَ العرب في أبهى تجلّياتها.


"عنتر وعبلة" الأوبرا الجادّة استطاعت أن تدخل قلب المؤلّف الموسيقي مارون الراعي فنفخ فيها نسمة حياة فأعادها لها، والأوبرا لا تكون إلاّ إذا لحّنت وعرضت على المسرح تمثيلاً وأداءً وإخراجًا وموسيقى من إخراج ميرانا نعيمة وجوزيف ساسين وبطولة الفنان غسان صليبا وبيار سميا وغيرهما وستعرض على مسرح الكازينو في 7 و8 تموز المقبلين.

وللتكلّم أكثر على هذه الأوبرا كان لنا هذا اللّقاء مع كاتب الأوبرا أو الليبرتّو الدكتور أنطوان معلوف.


لماذا اخترت قصّة عنتر وعبلة لتكون موضوع الأوبرا؟
عشقي لقصّة عنتر وعبلة عائدٌ إلى الطّفولة حين كنت أجسّدها تمثلاً بمفردي، كما أنّ جدّي كان "حكاواتياً، يجتمع حوله شباب القرية فيخبرهم قصصاً وروايات منها "عنتر وعبلة" وأنا عرفت ذلك من خلال كتاب وجدته بين كتب تركها جدّي هو كتاب عنتر وعبلة فرحتُ أحفظ بعض أبياتها وأمثّل دور عنتر لأنني أغرمت بفروسيّته وقوّته.

إلامَ ترمز شخصيّة عنتر؟
عنتر وبسبب لون بشرته الأسود كان عرضةً للإضطهاد خصوصًا بعد أن أحبّ ابنة عمّه عبلة فتعرّض للمنع بسبب لون بشرته ولأنّ أمّه كانت من الحبشة وهي التي أورثته هذا اللّون. فهنا نجد أنّ هذا الأمر أضاء على العنصريّة عند العرب قديماً وحديثاً فأذكر هنا أنه عندما انتخب أنور السادات رئيساً على مصر امتعض المصريّون بسبب لون بشرته المائل إلى السّواد لأنّ له أصولاً سودانيّة.


هل يجمع عنتر في الأوبرا صفات القوّة والبطش والفروسيّة وصفات الحبّ والعاطفة والشّاعرية؟
نعم من دون شكّ. فعنتر في شعره يبدو أنّه كان يدرك المشكلة التي يسبّبه له سواد لون بشرته، ثمّ إنّه في بعض ابياته كان يذكر عبلة غزلاً وحباً.


ماذا عن عبلة؟
الأكيد أنّ عبلة كانت أصغر سنًا من عنتر لكنّها كانت ذات شهامة وحياء، ولم تبرز نفسها أمام القبيلة بل حافظت على حشمتها، هذا ما يؤكّد سبب انجذاب عنتر لها. لكن هناك بعض الروايات التي تزعم أنّ عبلة بعد وفاة عنتر تزوّجت أكثر من رجل إلاّ أنّ هذه الروايات ليست دقيقة. ثمّ إنها كانت جميلة جداً.


هل هذه هي الأوبرا الأولى التي تكتب في العالم العربي؟
لا يمكن جزم ذلك. فقد قرأت مرّة كتاباً لملحّن النّشيد الوطني اللّبناني وديع صبرا عنوانه "مغنّاة" وتحته أوبرا. لكنها لم تعرض يوماً. وكانت من النّوع الهزلي لأن الأوبرا تنقسم إلى أوبرا هزليّة مضحكة وأوبرا جادّة هي الأساس. وأوّل من تحدّث عن ذلك مارون النّقاش واعتبر في حينها أنّ العربيّ يميل إلى الأوبرا الهزليّة.


ماذا عن اللغة المستخدمة في هذه الأوبرا؟
اللغة المستخدمة في أوبرا عنتر وعبلة هي لغة عربية فصحى لكنها مبسّطة جداً. فالأوبرا تعتمد أكثر على الأداء التمثيلي والأداء الغنائيّ. كما تعتمد على الأزياء والموسيقى الأوركستراليّة والحركة فيها.


كيف تتوقّع التفاعل مع هذه الأوبرا في لبنان؟
أعتقد أنّ التفاعل مع هذا العمل سيكون كبيراً جداً خصوصًا أنّه لم يعد هناك من أميين في لبنان فجميعنا مثقّف ومتعلّم ومتخصّص. لكنّ الأوبرا ستعرض في الكازينو وهذا ما سيجعل الحضور من الطبقة المتوسّطة والثريّة. أما إذا عرضت الأوبرا مجاناً فسيحضرها آلاف من الجمهور الذي سيستمتع بها.


ما الذي يدفعك إلى قول ذلك والتأكيد على التفاعل الكبير مع الأوبرا؟
من اهمّ أسباب التفاعل مع المسرحية عدا الأزياء المعتمدة فيها والموسيقى والإخراج والنّص هو حضور مغنّ لبناني شاب وسيم وسامق القامة وصاحب صوت من أجمل الأصوات، متمرّس في الغناء الأوبرالي هو غسّان صليبا. فتجربته مع الرحابنة أغنته خصوصاً أنّ مسرحهم يشبه إلى حدّ ما الأوبرا. أنا لم افرض اسماً معيناً ليؤدّي دور عنتر لكنّ اختيار غسان صليباً هو الأفضل.

ما هو العامل الأهمّ في إيصال الأوبرا الغناء أم التمثيل؟
الغناء هو الأهمّ. فالأوبرا تتألّف من الليبرتو أي نصّ الأوبرا فالموسيقى ثمّ التمثيل. وهنا الأهمية تعود إلى الموسيقى بالدرجة الأولى، ويعود فضل ذلك إلى المايسترو مارون الراعي المختصّ الذي استطاع أن يستوحي الموسيقى من نصّ الأوبرا والإثنان يتكاملان في الأوبرا فإذا لم يكن النّصّ جيداً لا يستطيع المؤلّف الموسيقي أن يلحّن العمل بطريقة مميّزة. والموسيقى في الأوبرا هي في خدمة الكلمة أما على المسرح فالموسيقى تطغى على النّص إلاّ أنهما يتكاملان ومن الجهل اعتبار الموسيقى أهمّ من النّصّ.


هل تدخّل كاتب النّصّ ضروريّ في الحضور المسرحيّ أم أنّ عمله يقتصر على الكتابة؟
الكاتب في الأصل حاضر في نصّه أي في الكلام الذي ألّفه. فالكلمة هي الإنسان والإنسان هو الكلمة. وعندما يصبح النّص بين يدي القائمين على الحضور المسرحي كأنني صرت بين أيديهم وعليهم احترامه. فإذا أخطأوا في التعامل مع النّص يجب أن يكون لديهم التواضع الكافي ليستشيروني.

من سيشارك إلى جانب غسان صليبا غناءً؟
غسّان صليبا هو الشخصية الرئيسة غناءً يرافقه الخورس المؤلف من طلاب الغناء الأوبرالي في الكونسرفتوار. وهناك اسم مهمّ آخر هو بيار سميا المغني الأوبرالي والأستاذ المهمّ. إخراج الأوبرا سيكون لـ ميرانا نعيمة وجوزيف ساسين.


هل أنت راضٍ عن العمل بعد أن شاهدت بروفا للعمل؟
أؤكّد أنّ العمل سيكون عظيماً وأنا راضٍ جداً عنه وأحببت جداً الموسيقى التي ألّفها مارون الراعي. وستعرض على مسرح الكازينو في 7 و8 تموز المقبل.