في الذكرى السنوية الرابعة لرحيل وردة الطرب العربي أقف بتهيب وخشوع أمام وقار إمرأة لم ولن تتكرر في عالمنا العربي.

وردة الجزائرية لم تكن مجرد فنانة عملاقة "تعملقت" بفضل أعمالها بل قيمة إنسانية للبشرية وقدوة يحتذى بدماثة خلقها ورقيها وإحترامها للآخر.
قبل كتابة مقالي هذا قررت رفع الصلوات عن روحها التي تسكن فسيح جنان الخالق ومن حيث هي تنشد اناشيد الحب والمحبة بصوت وردي أرق من ورق بردى. وأضاءت الشموع علها تنير قلوب بعض من صدقوا النجومية زورا فإستكبروا على من صنع نجوميتهم وتعالوا على من وقف إلى جانبهم في سراء فشلهم وضراء أضوائهم.

وردة الجزائرية أقف اليوم أمام روحك مستذكرة أواصر الصداقة التي كانت تربطنا مختصرة كل المسافات.. أعود لأنقب في ذاكرة الزمن الجميل لتتراءى أمام ناظري تلك التحفة التي تدعى "بتونس بيك" يوم دعمتها أنا إذاعياً فحققت نجاحاً منقطع النظير تسبب في التهافت على وردة لإحياء أهم المهرجانات العربية والدولية.
أستذكر صداقتنا وكبرها في كل مرة كانت الصدف الجميلة تجمعنا، أشتم رائحة عطرها حينما كنت تغمرينني بحب يختزل حروف الأبجدية وكلمات أرق من الندى كسرت كل الحواجز والمعوقات التي يضعها بعض نجوم اليوم وهم من وردة ليسوا الا حفنة من الكورس في فرقتها الموسيقية. بحسرة أنظر إلى نجوم اليوم الذين جعلوا من الكبرياء قوتهم اليومي وهم ليسوا إلا ببشر أنعم الله عليهم بنعمة الصوت لا فضل لهم عليها إلا بغرورهم وما هم عمالقة التواضع وأقصد فيروز وصباح ووديع وفيلمون وسميرة توفيق إلا ارباع مواهب.


في ذكرى رحيل وردة تتسارع نبضات قلبي على وسط فني افتقد الكثير من القيم ومقومات الطرب الجميل... ما عاد للفن قيمة وما عاد للطرب إلا متسع صغير في قلوب المتعطشين للثقافة الفنية.
وردة الجزائرية بك يضرب الف مثل في تعاطيك القيم مع اهل القلم، فأنت من اهله... لطالما قدرت اصحاب الاقلام الراقية التي تشبهك في فنك واخلاقك ولطالما عاملت الوسط الاعلامي بما يستحق من اهتمامك حتى يومك الاخير وجدنا في رحابك تلك المرأة التي تتراخى أمام عظمتها فكانت تسأل عن مدى نجاح أغنياتها ومحبة الناس لها.

لو تسمحين لي يا سيدتي بأن أفرج عن سر نبلك في التعاطي مع اهل بيتك، وهنا كيف لا أتذكر الاتصال الاخير الذي دار بيننا حين تحدثنا عن شؤون الفن وشجونه وأتيتِ في الحديث على ذكر يولا زوجة وحيدك رياض التي وقفت على الاهتمام بجسدك الذي ترنح ضعفا أمام مطبات الحياة فغنيت لها واغدقت عليها بنغمات تفوق الوصف.


إبنة الاصل الجزائرية حفظت الخبز والملح بينها وبين من اغدق عليها بالفضل من منتجين وكتاب وملحنين واعلاميين. فهي يوماً لم تنسَ او تتناسَ المعروف، وهنا لابد من التذكير بعلاقة الصداقة التي كانت تجمع وردة بالمنتج محسن جابر صاحب شركة عالم الفن التي أنتجت الكثير من أعمالها الغنائية. وكيف كانت تسابقه الى المستشفى لتبارك له ولزوجته بمولودهما الجديد.

وردة التي أحبت لبنان وشعبه ليس لأن والدتها من أصل لبناني فقط، لم توفر مناسبة إلا وأعربت فيها عن محبتها الخالصة لهذا الوطن الجميل وشعبه المضياف والذواق الذي عشق اغنياتها فرددها معها في مختلف المناسبات.


وردة في ذكرى رحيلك نفتقد الكثير من القيم الفنية... لقد تيتّم الطرب وأظلمت سماء الفن ، ودنت الساعة التي تقرع أجراس الفن مناشدة السماوات حيث تقطنين أبداً أن تعود روحك لتظلل هذا العالم الغارق بقحط الابتذال والتجارة الموسيقية الرخيصة علّه ينتفض لكرامة طربية ، أما المحافظة عليها او استرجاعها او الف رحمة على نغمة قيل فيها فن.