يسجّل له أنه كان الفنان الوحيد الذي أعلن عن معارضته من داخل سورية، وبقي فيها منضويا تحت لواء فريق سياسي "المبادرة الوطنية" لمدة عام كامل، قبل أن يغادر إلى مصر معلنا هجرة بات لا يعرف متى يوضع حد لها.

معارض واضح لا تنقصه الشراسة، برغم أنه كان من المقربين من الرئيس بشار الأسد قبل الأزمة والثورة والفوضى، فالإرهاب، فالحرب.
لكنه، وفي ضوء جنيف والحديث عن مرحلة انتقالية، يرى بالجيش مؤسسة وطنية، بل ويعتبر ضحايا المؤسسة العسكرية شهداء.
كيف يفكر اليوم؟ هل يرى شرفاء في النظام؟ ما رأيه بفاروق الشرع؟ وهل ما زال مصرّا على تجسيد شخصية حافظ الأسد في فيلم سينمائي؟.

جمال سليمان، من مَهْجَره في مصر وحديث سياسي خاص وحصري للفن.

نحن الآن على مَبْعَدة أيام من ذكرى 15 آذار 2011.. بم كنت تفكر في مثل هذا اليوم ( 4 آذار) من ذلك العام؟

في مثل هذه الأيام، أي قبل اندلاع الاحتجاجات، كنت أراقب بفرح وبحذر وقلق، مجريات الأمور في بلدان عربية أخرى، وكنت مدركا تماما أننا في سورية مقبلون على احتجاجات ومطالبات بالإصلاح، لكني كنت قلقا بشأنها، لإيماني بأن السلطة في
سورية لن تمرر الأمور كما مرت في كل من مصر وتونس.

اندلعت الاحتجاجات في 15 آذار 2011 وتحولت سريعا إلى فوضى.. كيف تقرأ ذلك المشهد، اليوم، وبعد خمس سنوات على اشتعالها؟.
هي ذكرى طيبة بالنسبة لي، لكن بكل أسف تحولت لاحقا إلى كارثة، وما أقرؤه اليوم عن تلك الفترة هو الكثير من الاحترام والتقدير لدماء شبان من الطرفين انطلقوا ونواياهم طيبة، طرف انطلق ليطالب بالإصلاح فتم قمعه ومن ثم قتله، وطرف مأمور من قبل الدولة كان ينفذ أوامر فظنّ بأنه يدافع بها عن بلده، قبل أن يدخل التطرف على الخط وتتشكل مجموعات جهادية استغلت الموقف وراحت تقتل من الطرفين بكل أسف.

أريد جوابا صريحا.. ألا يؤمن جمال سليمان بنظرية المؤامرة حيال ما جرى؟

بكل صراحة أنا مؤمن بنظرية المؤامرة، لكنني أرى بأن المؤامرة لا تصنع ظرفا بل تستفيد من ظرف أنت من يصنعه. هناك مؤامرة التحقت بالظروف التي كنا نعيشها في سورية أو في باقي البلدان العربية، والظروف هذه هي من أوجد المناخ الملائم للمؤامرة لتنجح في برامجها.

ما تلك الظروف بالضبط؟

الظروف التي هي المؤامرة بحد ذاتها، بل المؤامرة الكبرى التي مهدت للمؤامرات الخارجية، ففي بلادنا العربية تتجلى المؤامرة الكبرى بالاستئثار بالسلطة، وباستشراء الفساد، أضف إلى ذلك سياسات الإنكار وعدم الاعتراف من قبل السلطات بشيء من التقصير. كل هذه، سياسات سلطوية توفر المناخ الذي تريده المؤامرة الخارجية لتنجح.

نعود إلى سورية.. انقطع حبل الود بينك وبين السلطة بشكل نهائي منذ اندلاع الأحداث.. أليس هناك مسؤولون في الدولة ترى بهم ذوي فكر يمكن التواصل معهم ومن مواقعهم؟

الشرفاء موجودون في السلطة وفي كل زمان ومكان، لكن المشكلة تكمن دائما في أن النظام لا يسمح لهؤلاء أو لغيرهم بأن يعبّروا عن مواقفهم وأفكارهم وإمكاناتهم، بل يقود هؤلاء بقوة فيمنعهم من المحاورة. نعم هناك شرفاء وأعرفهم تماما ويمكن الحوار معهم ولكنهم ممنوعون من ذلك.

كيف تنظر لفاروق الشرع؟

الأستاذ فاروق الشرع ابن السلطة، لكنه رفض ممارسات الأجهزة الأمنية بحق المواطنين وعبّر عن حرص وطني وبُعْد نظر تجاه ما يجري. بالتالي هو ممن يمكن لأي عملية سياسية أن تستثمر فكره ليلعب دورا وطنيا في إعادة اللحمة والروح للمؤسسات. الشرع ضرورة وهناك غيره كثر في النظام.

كيف ينظر جمال سليمان إلى الجيش السوري في المرحلة الحالية؟

الجيش ضرورة ملحّة، وليس الآن وحسب بل في كل زمان ومكان، وهو مؤسسة وطنية لا يجوز التفريط بها ويجب الحفاظ عليها، لكن في الحقيقة هو بحاجة في المرحلة المقبلة إلى إعادة صياغة وهيكلة من جديد، ومهامه الحالية لن تكون كما هي مستقبلا.


هل تقصد بالمرحلة المقبلة المرحلة الانتقالية؟

طبعا، فمقررات مؤتمر جنيف تقول ذلك، وهي بالمناسبة (مقررات جنيف) لا تتوقف على المعارضة أو على النظام، بل على الشرفاء في هذا الطرف وذاك.

وهل ما زلت مؤمنا بمرحلة انتقالية في سورية؟

بالتأكيد، لأن اتفاق جنيف الذي سيقرّ هذه العملية، إن لم يطبق فنحن ذاهبون إلى الجحيم.

ألسنا في الجحيم الآن؟؟.. ما الجحيم الأكبر مما نحن فيه؟

الجحيم الأكبر هو التقسيم الذي بدأ تداوله بلا خجل في الآونة الأخيرة بخلاف السنوات الثلاث الماضية حيث كان يلفظ بخجل على ألسنة المسؤولين الغرب والروس. شخصيا، أرى أنه لا منجى من هذا الجحيم إلا بمرحلة انتقالية. علينا بمقاومة التقسيم بأي شكل
وطريقة تضمنان عدم حدوثه.

كيف تقرأ إجراء انتخابات برلمانية في سورية بعد شهرين وأنت تتحدث عن مرحلة انتقالية - لو تمت- فلن تعترف بهذه الانتخابات؟

أعتقد بأن هذا القرار يجب أن يستثير الشارع الموالي قبل المعارض، لأن فيه تجبرا ومكابرة وإنكارا حقيقيا لواقع نحن فيه.
الانتخابات لها أجواؤها، والأجواء في سورية لا تساعد على ذلك.

هل انتخابات تلك التي يذهب فيها المواطن ليرمي ورقة في الصندوق بدون رقابة؟.

فيما أنت عليه الآن.. هل ما زلت على موقفك الذي أطلقته في العام 2011 بأنك مستعد لتجسيد شخصية الرئيس الراحل حافظ الأسد في فيلم سينمائي يروي سيرته الذاتية؟

ما زلت على موقفي الذي أطلقته فعلا آنذاك. آنذاك قلت بأن الفيلم غير وارد الإنتاج في الفترة الحالية، لأن الملفات التي كان يمسك بها الرئيس حافظ الأسد لم تغلق بعد، بل وأضيف عليها أن الرئيس الراحل ما زال موجودا في قلب الأحداث الحالية في سورية.

عندما تغلق هذه الملفات، ومنها ما هو خارجي ومتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، والتي كان لاعبا رئيسيا فيها، سيكون إنتاج الفيلم واردا وسأكون جاهزا لتجسيد الشخصية لو طلب ذلك مني.

وكيف ستمازج بين موقفك السياسي من الرئيس الأسد وبين تجسيدك لشخصيته في هذا الفيلم لو أنتج؟

أنا ممثل، والممثل لا يتبنى الشخصية التي يؤديها في فيلم، وكذلك لا يهم إن كان يكرهها، والرئيس حافظ الأسد له إيجابيات وسلبيات، ولكني، كممثل، سأؤدي الدور خدمةً للفن، من دون النظر إلى الإيجابي والسلبي.

يظن البعض بأن معارضتك نشأت في آذار 2011.. هل من تبيان عن الفترة الزمنية لهذه المعارضة؟

معارضتي بدأت بعد العام 2000 حيث كنت أقول على الدوام بأننا نحتاج في سورية إلى تغيير ديمقراطي حقيقي، لأن ذلك من تحديات القرن الـ 21.

وبعد دخول الولايات المتحدة عسكريا إلى العراق في العام 2003، زاد خوفي على مستقبل سورية أكثر، واعتبرت ذلك مؤشرا خطيرا، وطالبت في كل فرصة سنحت لي بضرورة إجراء عملية انتقال تدريجية إلى الديمقراطية.

سؤال يتعلق بشخصك.. مسقط رأسك محافظة طرطوس، وقريتك في دريكيش موالية وفيها شهداء سقطوا في صفوف الجيش، وقد يكون لك قريب على الأقل شهيدا... كيف تتعامل نفسيا مع الحالة وأنت معارض وتقف في الصف الآخر؟

أقربائي في الجيش من الطرفين، من طرف أبي في دريكيش بطرطوس، ومن طرف أمي في دمشق، والشهداء من الطرفين أيضا. عندما يسقط شهيد من هذا الطرف أو ذاك، أشعر بالألم والمرارة، لأن مكان استشهادهم خطأ، فالمكان الصحيح لأن يذودوا عن الوطن هو الجبهة الأساسية بمواجهة إسرائيل. لذا قلت بأنه علينا الخروج من هذا المعادلات المعقدة والمحرجة، ولا سبيل لذلك إلا بحل سياسي يجمعنا جميعا تحت راية وقف النزيف فورا.

متى تتوقع أن تعود إلى سورية؟

عندما تنتفي أسباب مغادرتي لها، فالهجرة لم تكن قرارا، والسؤال هو: ما الذي جعلنا خارج سورية؟.

ما الذي جعلك خارج سورية؟

المعادلة غير المقبولة التي فرضت علينا: إما ان نكون معهم أو نحن أعداؤهم. أضف إلى ذلك التحريض علينا، حتى بتنا غير آمنين. هنا بات علينا إما الاستسلام أو المغادرة، فكانت المغادرة هي الجواب.

سؤال أخير.. لماذا أنت مقل بالظهور في الصحافة؟ هل السبب عدم رغبتك بالحديث في السياسة؟

لا أبدا.. لكن بكل أسف يأتي صحفي جَمَعَ للتو بضع معلومات عن موقفك السياسي فيطرح أسئلته باستسهال، وهذا ما يزعجني أحيانا، فإذا لم يكن الصحفي متمكنا ويعرف ما الذي يريده من المقابلة وكيف يطرح السؤال، وما لم يكن مطلعا على الشأن العام بشكل جيد، فلن أدلي بحديث صحفي له.