تحتفل دار المزادات العالمية كريستيز في شهر آذار/مارس المقبل بمرور عشرة أعوام على بدء مزاداتها في الشرق الأوسط وتحديداً في دبي.

واحتفالاً بهذه المناسبة تقدم كريستيز ضمن مزادها للأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة المقرر في 16 آذار/مارس 2016 أفضل 40 لوحة لفنانين شرق أوسطيين من مقتنيات خاصة ضمن قسم الأعوام العشرة Now and Ten، بينما يقدم المزاد بالمجمل 125 عملاً فنياً اختير كل منها بعناية متناهية لتجسيد الحركة الفنية والإبداعية الشرق أوسطية بأبعادها ومدارسها المختلفة.

وتتراوح التقديرات الأولية للأعمال الفنّية المشاركة بين 8.5 و 12.0 مليون دولار أميركي ، وهي أعلى تقديرات أولية تشهدها مزادات كريستيز بالمنطقة خلال الأعوام العشرة الماضية، في مؤشر على متانة سوق الأعمال الفنية الإقليمية وتنافُس المقتنين حول العالم على اقتناء أعمال الفنانين الشرق أوسطيين.

ويعد موسم المزادات القادم الموسم العشرين بالمنطقة،حيث جرت العادة على تنظيم موسمين كل عام، ويقام خلال الفترة بين 15-17 مارس، وتستبق كريستيز المزادات بتنظيم معرض عام لتمكين الجمهور من معاينة المعروضات وذلك يوم الأحد 13 مارس 2016 في قاعة جودولفين بفندق جميرا أبراج الإمارات. ولتزامُن موسم المزادات المرتقب مع «آرت دبي»، قرَّرت كريستيز تبديل مواعيد المزادات بحيث يُستهل الموسم بمزاد الساعات الهامة يوم الثلاثاء 15 مارس، يليه مزاد الأعمال الفنية مساء يوم الأربعاء 16 مارس، يليه في الختام مزاد عناصر الأناقة وذلك مساء يوم الخميس 17 مارس 2016.

ومن أبرز الأعمال الفنية ضمن قسم الأعوام العشرة لوحةٌ ثلاثية يبلغ طولها 11 متراً وارتفاعها 3 أمتار تقريباً، هي لوحة "سراييفو" للرسام التشكيلي المصري عمر النجدي (وُلد 1931، اللوحة أعلاه). وانضمت هذه الرائعة المتحفية التي رُسمت في أبريل 1992 إلى مجموعة المقتنيات الشخصية لمعالي السفيرة فرانسينهنريخ في عام 1993، وتُعرض للمرة الأولى ضمن مزاد بقيمة تقديرية أولية 400.000-600.000 دولار أميركي.

وتُعدُّ لوحة "سراييفو" الثلاثية أهم أعمال عمر النجدي على الإطلاق، بل وأكثر أعماله طموحاً من حيث تعقيدها وموضوعها وتعابيرها وقيمتها التذكارية. وفي هذه اللوحة يرسم عمر النجدي، وهو رسام تشكيلي مصري مسلم، المذابح التي أودت بحياة مئات الآلاف من مسلمي البوسنة في سراييفو، ومن اللافت أنه اختار نسَق اللوحة الثلاثية، وهو النَّسَق الموروث عن الفنون المسيحية القديمة، في إنجاز هذه اللوحة الجريئة برقعتها الشاسعة وأبعادها الممتدة. ويقول نقاد الفن المعاصر إن لوحة "سراييفو" من بين أهمِّ اللوحات المؤثرة التي صوَّرت فظائع الحرب منذ عام 1937، وهو العام الذي أنجز فيه بابلو بيكاسو رائعته الخالدة «غرنيكا» Guernica التي استوحاها من قصف عاصمة إقليم الباسك "غرنيكا" أثناء الحرب الأهلية.


ويضم المزاد أيضاً لوحة "المقاهي الملتَهَمة" Café de Verre, Café Hajj Daoud, Café Palestine, Café Al Bahrein للفنان التشكيلي اللبناني شفيق عبود (1926-2004) فتتألف من 130 نقشة جدرانية (تيمبيرا) فردية تجسّد ما يصفه بـالمقاهي الملتَهَمة في بيروت، المدينة التي أحبها. وهذه اللوحة مأخوذة مباشرة من تركة شفيق عبود، وكانت هذه النقشات الجدرانية تزيِّن جدران غرفة نومه في شقته الباريسية التي عاش فيها من عام 1977 حتى وفاته في عام 2004.

وتشير "المقاهي الملتَهَمة" إلى ثقافة المقاهي المتلاشية بعد أن شاعت وانتشرت في بلدان عربية عديدة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. وتأثرت هذه المقاهي كثيراً بالحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في عام 1975، ثم أخذت ثقافة المقاهي تتلاشي تدريجياً ومعها الحركات الفكرية والسياسية والإبداعية التي نشأت من رحم هذه المقاهي وشكَّلت جوهر الحركة الفنية والأدبية اللبنانية الحديثة (القيمة التقديرية: 300.000-400.000 دولار أمريكي).

كريستيز في الشرق الأوسط
كانت البداية في أيار/مايو 2004 عندما دُعيت كريستيز لتنظيم أول مزاد من نوعه ببلدان مجلس التعاون لأعمال فنية يذهب ريعها لأعمال خيرية، حيث أقيم مزاد «قافلة الجِمال» تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وفي تلك الأمسية بيعَت مجسمات الجِمال الملوَّنة التي زيَّنت أرجاء دبي خلال مهرجان دبي للتسوق 2004 والبالغ عددها 39 جملاً مقابل 1.3 مليون دولار/4.8 مليون درهم، ليسجِّل المزاد رقماً يعد أحد أكبر الأرقام ضمن المزاداتالمخصَّصة للأعمال الخيرية بالمنطقة، واستفاد من رَيْع المزاد عددٌ من المؤسسات الخيرية.

وخلال هذا المزاد ارتأى كبار التنفيذيين في كريستيز توسيع رقعة أعمال دار المزادات العالمية العريقة التي تأسَّست عام 1766 نحو منطقة الشرق الأوسط لما تشهده من نهضة واسعة ومتسارعة. وبالفعل، وخلال عام واحد افتتحت كريستيز مكتباً تمثيلياً لها بدبي في مطلع أبريل 2005 لتكون السبَّاقة بين دُور المزادات العالمية في هذا المجال. وللاحتفاء بهذه المناسبة، نظَّمت كريستيز معرضاً دولياً لمعروضات مختارة كان الأول من نوعه بالمنطقة.

وفي 24 أيار/مايو 2006، وعند الساعة 7:00 مساء، شهدت دبي انعقاد أول مزاد للأعمال الفنية بمنطقة الشرق الأوسط، حين صعد يوسي بيلكانين، الذي يشغل حالياً منصب الرئيس العالمي لدى كريستيز، إلى المنصة مفتتحاً المزاد ومعلناً بعدئذٍ بقليل عن بيع لوحة «الفلاح» للفنان التشكيلي العراقي شاكر حسن آل سعيد (1925-2004) بثلاثة أضعاف القيمة التقديرية الأولية الدنيا. تلتها 128 لوحة بيعت خلال المزاد لتحصد معاً ما مجموعه 8.5 مليون دولار أمريكي، وليشهد المزاد 53 رقماً قياسياً عالمياً جديداً للفنانين المشاركين. ومنذ ذلك الحين، تترك مزادات كريستيز بمنطقة الشرق الأوسط، مزاداً تلو آخر، بصمة فارقة جعلتها من الأحداث المهمة والمرتقبة، بفضل ما قدَّمه ويقدِّمه أشهر وأبرز الفنانين والمقتنين ببلدان المنطقة وحول العالم من مساهمة مهمة لتعزيز زخم مزادات كريستيز بالمنطقة. ومنذ المزاد الأول، استحوذت وحافظت مزادات كريستيز على مكانة ريادية رفيعة في سوق الأعمال الفنية الشرق أوسطية.

وهنا يتذكر يوسي بيلكانين، الرئيس العالمي لدى كريستيز قائلاً: "أذكر تماماً اللحظات القليلة التي سبقت أول مزاد لنا في دبي، كنا جميعاً مدركون أن الأمر لم يَخْلِ من المجازفة. حينئذ كان في دبي عدد محدود من الصالات الفنية، ولم تكن الإمارات قد شيَّدت بعدُ متاحف بمعايير عالمية. ولم نكن متيقنين بعدُ مِن أن مفهوم المزاد وعملية المزايدة سيلقيان قبولاً بين المقتنين بالمنطقة. لكن في المقابل كانت لدينا مجموعة فريدة من الأعمال الفنية التي تجتذب المقتنين من بلدان المنطقة وخارجها، وهذا سرُّ نجاحنا حول العالم. وبتضافر جهودنا مع جهود الهيئات الحكومية المعنية في دبي والمقتنين والمعارض والصالات الفنية، وبالمثل مع كبار الفنانين التشكيليين والنحاتين أنفسهم، استطعنا إرساء دعائم سوق أعمال فنية مرموقة بالمنطقة ربما لم نكن نحلم بها عندما اعتليتُ المنصة في مزادنا الأول في عام 2006".

وخلال الأعوام العشرة الماضية شهدت الحركة الثقافية والإبداعية في دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة عامة تحولات واسعة، على صُعُد عديدة، وفي موازاة ذلك التزمت كريستيز بتنظيم مواسم مزادات منتظمة، مثلما التزمت بالاستثمار في فريق من المختصين المحليين واتخاذ عدد من كبار المديرين التنفيذيين لديها من دبي مقراً لهم، مدعومين بشبكة من الاستشاريين الإقليميين في أرجاء الشرق الأوسط. وهكذا أسهمت كريستيز في إرساء دعائم سوق أعمال فنية بمعايير عالمية رفيعة في دبي.