ما كاد وميض الفجر يبزغ حتى اسلمت الروح في ليلة انتحب فيها القمر على شمس الشموس واسطورة الاساطير.

رقدت على رجاء القيامة بسلام وهدوء بنور اتشح من جسدها الذي انهكته سنوات العمر بعد أن اغدقت عليه مجدا وشهرة وانتشارا.
صباح الكنز الذي لا ينضب ألقاً وتواضعاً وجمالا ساحراً كأنها اسطورة قادمة من زمن الاساطير السرمدية الابدية... رحلت بسلام كما أحبت العطاء واحبها الكرم... غادرت صباح لتقلب صفحة ارضية وتدخل سجل الخلود والمجد إلى جانب الابطال هناك فوق ارز شامح شامخة في الاعالي عزا وتواضعاً. هناك ستطير عروسة لبنان لتغرد بمواويل الخالق وترانيم الملائكة ساطعة بنجم الخير والعطاء والكرم شاكرة ربها الذي اصطفاها من كل ذرية حواء ليضع في حجرتها شمس العيد التي اشرقت على العالم مبشرة بنجمة سيخلد اسمها في التاريخ الارضي والضوئي والسماوي.

عاشت صباح عاشقة غلبانة للحب وللجمال وهي التي ابدع فيها الخالق صنيعة جمالية كمنحوتة كونية وفيها انطوى الابداع والعشق والغلبة . من هنا من لبنان شيدت عرش الاصالة والفولكلور والميجانا والعتابا وابو الزلف حاملة معها ظلال الخير في وطن استنفر فيها الخير باحثا عن بارقة امل لم يجده إلا في سجل خلود هؤلاء، في سجل صباح التي رفعت شأن لبنان في المحافل الدولية، حضارة وثقافة وألقاً وفنّاً عظيماً متقداً بنفحة عظماء ذلك الزمن الجميل الراحلين الأخوين الرحباني وبليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل وفريد الاطرش ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم.. ، والأحياء ملحم بركات، روميو لحود ، الياس الرحباني ، إحسان المنذر..

جَنت صباح طيلة أعوام مسيرة حافلة قدمت من خلالها العديد من الاعمال التي توارثتها الاجيال وستبقى حية نابضة في مكاتبنا واذاعاتنا وارشيفنا المشرف وفي صالات الاستقبال داخل مطارنا مرحبة بالسياح والمغتربين على طريقة "اهلا بهالطلة اهلا واهلا بهالعين الكحلا".

الشائعات لم ترحم صباح ، فهي أكثر فنانة طالتها الشائعات منذ بداية مسيرتها الفنية وحتى أنها لم ترحمها بعد رحيلها ، صباح عظيمة بإنسانيتها وفنّها كفّوا عنها ألسنتكم لترقد بسلام .

صباح ستغادر بيروت التي عشقتها من دون ان ترفع سماعة الهاتف لتدندن "الو بيروت" إلى تلال بدادون لتلتحف بضوء القمر وتحاكي رياح السماوات بنسيم عطرها العليل... لقد انطفأ سراج الجسد تحت مكيال دنيوي لتحيا الى الابد بقالب الاسطورة السرمدي...

وما ادراكم بكرم صباح وانا التي عايشتها سنوات ولمست بالعين المجردة كم هي محبة لفعل الخير، فهي لم تبخل يوماً على المحتاجين بتقديم يد العون والبركة... لقد تتلمذنا على يدها في ممارسة فعل التواضع وهي التي علمتنا ان الاضواء مجد باطل لذلك مهما علا شأنها تزداد اتضاعاً ومحبة وانسحاقا.
لم اطلبها يوماً لاجراء لقاء وردتني خائبة بل على العكس فلطالما اثنت على مهنيتي وأدركت محبتي الكبيرة لها ، تلك المحبة المقدسة التي تترفع عن مصالح العالم ودينونته.

وداعاً يا شحرورة لبنان... يا مستودعا للفن حمل أكثر من ثلاثة آلاف أغنية وأكثر من ثمانين فيلما وملايين العشاق الذين اطربوا وافتتنوا بصوت اختلط بذرات الارز وانصهر بكفاح الجبال وطيات السهل والاودية وامتزج باهازيج البلابل والحساسين ، وداعاً يا انساناً صارت كلمة والكلمة لن تزول ابداً...
وفي النهاية لا بد من توجيه تحية إلى النائب وليد جنبلاط الذي طالب بإعلان الحداد الوطني تقديرا للفنانة صباح. وقال عبر حسابه الخاص عبر تويتر :"من أجل الراحلة الكبيرة صباح، يُستحسن إعلان يوم حداد وطني. بهذا تعطي الدولة اللبنانية صباح شيئاً معنوياً بعد طول إهمال، تكريماً للمرأة اللبنانية وللفن اللبناني والعربي وللصداقة اللبنانية المصرية".

بدوره وزير السياحة ميشال فرعون نعى الفنانة صباح وقال :"لا ينفع أي كلام، مهما علا شأن قائله ومهما كان بليغا، لمنح حدث غياب الفنانة صباح حقه، فهي صاحبة التاريخ الفني الطويل الذي زرع الفرح والمشاعر الوطنية في نفوس اللبنانيين، إضافة الى ما تتمتع به من صفات إنسانية نالت احترام من عرفها عن قرب".
وأضاف :"أن لبنان الرسمي والشعبي حزين على الفنانة صباح، ويشعر بأنه خسر فردا من عائلته، وهذه الخسارة لا تعوّض نظرا لقيمة الراحلة الفنية، إلا أن ما يعوض فقط عن قساوة الغياب هو ما تركته لنا من أثر فني يجب أن ينال عناية رسمية ليكون تكريما لائقا للراحلة".