لم يكن مجرّد حلم عادي ذاك الذي حملته ذاكرة الإعلامية رانيا برغوت مذ كانت لا تزال على مقاعد الدراسة الأكاديمية بل لطالما كان هدفاً وضعته نصب عينيها وإن تغافلت عنه لسنوات أمضتها بعيداً من وطنها الأم.

.. وها هي اليوم تحط رحال حلمها على خشبة مسرح The Palace الذي أعادت ترميمه وبثت فيه الحياة ليصبح موطناً للمواهب الشابة في المجالات كافة، وملاذاً ثقافياً يستقبل الإنتاجات التليفزيونية والمسرحية وورش العمل ويستقطب العروض الفنية الراقصة والمسرحية والثقافية.

وكانت الإعلامية رانيا برغوت قد أعلنت عن افتتاح المسرح بحلّته الجديدة خلال حفل تمّ تحت رعاية وحضور وزير السياحة ميشال فرعون ومشاركة الفنانين: عايدة صبرا، مازن كيوان، زياد سحاب وزياد أبو عبسي، في حين سبقه عزف على العود ورقص إيحائي مناسب للأجواء. بدأ الحفل بكلمة للمخرج المسرحي زياد أبو عبسي أعادنا من خلالها إلى الزمن الجميل الذي شهدته بيروت من خلال نخبة من أبرز روّاد المسرح، ونوّه باستضافة المسرح نفسه للشحرورة صباح ومسرحيتها "الأسطورة" ليبدأ من بعدها عرض لمقاطع مصوّرة للصبوحة اختتمت بالنشيد الوطني اللبناني.

الحفل الذي قدّمته ملكة جمال لبنان السابقة رهف عبد الله، إنطلق مع كلمة لوزير السياحة ميشال فرعون الذي نوّه بفكرة ترميم المسرح وخلفية افتتاحه مشيراً إلى أن ابنته هي أيضاً من فريق العمل، لتتولى من بعده صاحبة المشروع مهمة التعريف عن تفاصيله وأسسه وأهدافه التي كان أبرزها تشجيع الشباب اللبناني على البقاء في بلدهم واستبعاد فكرة الهجرة. بدورهم، تحدث كل من عايدة صبرا، مازن كيوان وزياد سحاب عن أهمية هذا الافتتاح في وقت بدأ عدد من المسارح بإغلاق أبوابه الأمر الذي يعتبر محاولة للنهوض من الكبوة الفنية والثقافية الحالية.

وعلى هامش حفل الافتتاح الذي احتشدت فيه الوجوه الفنية والإعلامية، إستطلع موقع "الفن" آراء بعض الحاضرين والمشاركين في هذا الحدث على حدٍ سواء، وكانت البداية مع وزير السياحة ميشال فرعون الذي اعتبر "أنها مبادرة هامة جداً لأن كل ما يتمّ تقديمه اليوم يأتي من منظمات غير حكومية سواء أكانت من جمعيات أو من أشخاص ذي إيمان كبير ولديهم ما يكفي من التحدي. ما قامت به رانيا هو فعل إيمان وتحدي بهدف تنمية طاقات الشباب الإبداعية وتشجيعهم على البقاء في لبنان".

الفنان زياد أبو عبسي قال لنا: "تركت كل شيء وجئت للمشاركة في افتتاح مركز للثقافة والفنون الراقية. هذا الأمر يسعدني ويشجعني على العودة إلى العمل في المسرح بعدما فقدت الأمل، وبالفعل هذا المشروع يشكل دافعاً ومشجعاً وفي الوقت نفسه يطلب منا تشجيعه أيضاً".

بدورها اعتبرت الفنانة عايدة صبرا أن "افتتاح أي مسرح جديد بات مصدراً للفرح والسعادة.

وشدّدت صبرا على أن المشروع ضخم وهام وسيحظى بالنجاح إذا ما وضعت له خطة ذكية وتمّت إدارته كما يجب". وأضافت: "أتمنى أن يحقق النجاح المرجو وألا يكون مسرحاً ثقافياً فقط وإنما يتضمن كافة الألوان المسرحية. إن قرار رانيا برغوت بمساعدة الشباب الموهوبين أمر رائع ومشجّع، خاصة وأن ثمة عدداً كبيراً من خريجي الجامعات الذين لا يجدون المكان الصحيح والملائم لانطلاقتهم".

مدرّب الرقص مازن كيوان حدثنا عن نشاطاته ضمن The Palace قائلاً: "هناك برنامج فني أسبوعي سيتمّ تقديمه هنا وسأشرف على المشاهد التي سيخرج بها إلى جانب زياد سحاب الذي سيتولّى العنصر الموسيقي، كما سنقوم باستضافة الدورة الثامنة من مهرجان بيروت الدولي للتانغو في هذا المسرح بدءاً من 3 أيار المقبل".

وتابع قائلاً: "إنه مساحة جديدة ليتشارك الناس الفن فيها ويعبّروا عن طاقاتهم، وهدفنا اكتشاف وتشجيع المواهب الشابة وتوجيهها بالطريقة الصحيحة".

أما الفنانة بيتي توتل فأشادت بالافتتاح وأشارت إلى أنها تطرّقت إلى قضية إغلاق المسارح في مسرحيتها الأخيرة "الجريمة"، ولفتت إلى أن هذا الأمر يؤلمها بشدة كونها ابنة المسرح وتعاني سنوياً من مشكلة إيجاد المكان المناسب لعرض أي عمل جديد، وتمنّت أن يحمل هذا المسرح الفأل الجيد للبنان واللبنانيين ويعيد النشاط إلى الحركة المسرحية".

الفنانة جاهدة وهبة بادرتنا بالقول: "سعيدة جداً بافتتاح هذا المسرح... بيروت بحاجة إلينا وإلى كل مكان يصدّر الثقافة لتعود كما كانت منارة للشرق. إن تركيبة المسرح وديكوراته تسمح لإنجاز الأعمال المختلفة عليه وتحقيق أكثر من حلم وعرض الأفكار الجديدة". أما الفنان زياد سحاب فأكد على أن هذا المسرح سيكون مساحة للطاقات الشابة الجيدة"، ووصف ما يحدث بـ"العرس".

صاحبة المشروع الإعلامية رانيا برغوت أكدت أنها تشعر بالسكينة والهدوء على الرغم من انتهاء تفاصيل الترميم قبل ساعات قليلة من الحفل، وأنها لم تفقد إيمانها بلبنان يوماً.

ولفتت برغوت إلى أن ما سيعرض على خشبة مسرحها يجب أن يكون عملاً راقياً وعميقاً وغير مبتذل حتى وإن كان مقتبساً أو كوميدياً، وأنها ستلتزم بتقديم الأعمال اللبنانية أو لفنانين مقيمين في لبنان دون الاعتماد على الآخرين لأنها مصرّة على أن الشعب اللبناني يحب الحياة والسهر والاستمتاع ويتمتع بذوق رفيع، كما أن اللبنانيين باتوا توّاقين لمشاهدة أعمال تشبههم وتحاكيهم في ظل ما فقدوه من هويتهم.

وتابعت: "علينا أن نعيد حضارتنا وتاريخنا وثقافنا إلى أولادنا، وإلى بيروت ألقها".

ومن ثم ختمت برغوت كلامها ضاحكة: "أنا متفائلة لكني خائفة من انقطاع الكهرباء فلا أملك موتوراً بعد".